البيئة الجديدة للإعلام هي نتيجة اندماج بين أجهزة الحاسوب وتقنيات الاتصال ووسائل الإعلام، وتحديداً مع تنامي استخدام شبكة الإنترنت العالمية خلال التسعينيات من القرن الماضي، ما أدى إلى نقل الرسالة للجمهور بسرعة ومرونة وتفاعل، مدعومة بوسائط الصورة والفيديو، الأمر الذي نتج عنه تحولات جذرية في مفهوم عمليات الاتصال، وتأثيراتها، أبرزها استخدام جميع أنواع وسائل الإعلام في وقت واحد، وهو ما جعلها تتميز عن الإعلام التقليدي في حالتين، هما: الكيفية التي يتم بها بث المادة الإعلامية، والكيفية التي يتم بها وصول تلك المادة من خلال شبكة الإنترنت. كما أن قوة المرسل -التي كانت هي الأساس في بناء النظرية الإعلامية- بدأت تتراجع، وأخذ المستقبل المتلقي سواءً أكان قارئاً أم مستمعاً أم مشاهداً يتصدر النظريات والمفاهيم الجديدة في الإعلام، وأصبح هذا المستقبل هو القوة الجديدة التي بدأت تفرض شروطها وتملي رغباتها ليس فقط على أوعية الاتصال والإعلام الجديد، بل كذلك على مؤسسات الإعلام التقليدية، بمن فيهم حرّاس البوابة الذين أدركوا أن الجمهور يعرف أكثر مما تتوقع وسائل الإعلام. إن البيئة الجديدة للإعلام لم تحاول تجنب وجهات النظر المنحازة في وسائل الإعلام التقليدية، بل أتاحت الفرصة للمشاركين للتعبير عن إحساسهم بالقوة التي خولتها لهم شبكة الإنترنت، إلى جانب القدرة على السيطرة على المعلومات التي يسعون للحصول عليها، وهو ما جعل الاتصال التفاعلي يتعدى حدود الاتصال الإنساني إلى الاتصال والتفاعل مع الوسيلة الاتصالية ذاتها. ونتيجة لتلك التفاعلية؛ نشأ مفهوم الرأي العام الإلكتروني في شبكات التواصل الاجتماعي، وتحديداً تجاه التعاطي مع القضايا المثارة، وأصبحت مضامينه النقدية تشكّل ضغطاً على السلطة التنفيذية، وتحمل هامشاً أكبر من حرية الرأي والتعبير، وكسرت معها حواجز، وألغت قيوداً، وانفردت بقوة التأثير في صناعة المواقف، وتوثيقها، ونشرها، وتغذية ردود الفعل تجاهها. والسؤال: ماذا يعني كل ذلك؟، والجواب: أن الجمهور في بيئة الإعلام الجديد لم يعد متلقياً سلبياً للمعلومات، أو تابعاً لتأثير وسائل الإعلام التقليدية، والقوى المجتمعية الأخرى، بل أصبح مستقلاً، ومؤثراً، وقادراً على صناعة المعلومة والتعبير عنها بكل شفافية، ولكن ما يقلقنا هو انتشار المعلومات التي لم تصل إلى درجة الموثوقية، أو تغذية الرأي العام بالمواقف والتوجهات من دون مصادر كافية للوصول إلى الحقيقة من مصادرها. ولذا؛ من المهم أن يطلّ المصدر في كل حين، ويتفحص التدفق الهائل من المعلومات في شبكات التواصل الاجتماعي تحديداً، ويبادر في صناعة موقفه من دون تأخير أو إنكار، ويعبّر عنه بشفافية ووضوح؛ حتى يعتاد الجمهور على سماع الحقيقة ويتقبلها، ويتحول الانتقاد إلى نقد بناء، والتعميم إلى حالة وليس ظاهرة.