هي أم الأزمات على وزن أم المعارك، بل أراها معركة يخوضها طرف واحد. الموت. وهو المنتصر في النهاية. السيارة هي السلاح المُستخدم بينما القاتل والمقتول هو الإنسان. وقعت في يدي بالصدفة ورقة بحثيّة بعنوان التخطيط العمراني الحضري وأثره في الحد من الحوادث المرورية –الرياض نموذجا-أعدها أستاذ جغرافية واقتصادية النقل بجامعة نايف العربية للعلوم الأمنية الأستاذ الدكتور الأصم عبدالحافظ أحمد الأصم، عرض فيها أهم المتغيرات التخطيطية ذات العلاقة بالرحلات والحوادث. في الحقيقة لم أتفاجأ بالأرقام التي تُشير الى تضاعف الحوادث سنة بعد أخرى كما في المثال الذي أورده الباحث والذي كشف عن الارتفاع الهائل في عدد الحوادث ما بين عامي 1404ه (سنة الأساس) وعام 1426 بنسبة زيادة وصلت الى 1198,4% تقريبا. عدم المفاجأة ليقيني بأن الأجهزة المعنية لم تقم بما يجب عليها القيام به لمواجهة تلك الأزمة التي تهدد إنسان هذا الوطن في أمنه وسلامته بل في وجوده بشكل أساس. من ذا الذي يُنكر عدم جديّة الأجهزة المعنية ومرجعياتها وأولها جهاز المرور في التصدي لهذه الأزمة ليس للقضاء عليها تماما لأن هذا الأمر يتجاوز سقف تطلعاتنا بل للتخفيف من ضراوتها على أقل تقدير مثل تحديد نسبة خفض سنوية في عدد القتلى كهدفٍ يسعون إلى تحقيقه؟ أشار الاستاذ الدكتور الأصم في ورقته الى المظاهر السلبية للنمط العمراني (أحادية النواة) في العاصمة الرياض وفي مقدمة هذه المظاهر كثافة الحركة المرورية وما ينتج عنها من حوادث لأن تمركز مؤسسات الدولة ومراكز العلم والنشاط الاقتصادي وحصرها في منطقة واحدة تقريبا تُجبر سكان المدينة لقطع مسافات تتباعد بين منازلهم ومقرات أعمالهم أو بين منازلهم ومراكز التسوّق والترفيه. ربما أتفق جزئيا مع القول بعنصر الخلل في تخطيط النقل بالمدينة (يتشابه الخلل في بقيّة المُدن) وعلاقته بزيادة الرحلات وبالتالي خلق فرص أكثر لوقوع الحوادث إلاّ أنني مازلت أؤكّد على أن السبب الرئيس في الفوضى المرورية العارمة وما ينتج عنها من حوادث قاتلة هو عدم الجدية في التعاطي مع المشكلة أساسا وتجاهل خطورتها حتى تفاقمت ووصلت الى الوضع الحالي المريع الذي يجب عدم السكوت عليه والمبادرة باتخاذ خطوات تصحيحية قابلة للتنفيذ الفوري ويكفي الهدر في الأرواح؛ فالخسائر البشرية موجعة جدا لنا ولبلادنا. [email protected]