إن أسوأ عمل هو ما يجلب أكبر قدر ممكن من المآسي للآخرين وهذه الأخيرة لاتأتي في الغالب إلاّ نتيجة الاهمال وعدم الانضباط وفقدان الجديّة فتكون النتيجة الطبيعية فقدان ثقة الناس فعدم جديّة شرطي المرور في ضبط النظام على سبيل المثال يؤدي إلى عدم احترامه وفقدان قيمته من قبل الآخرين وهو ماينعكس سلباً على حالة المرور العامّة فتعمّ الفوضى وتقع الحوادث وينطبق هذا الأمر على بقيّة المهن والوظائف الأخرى فمضيف الطيران الذي يتضاحك ويمزح مع زملائه ويظهر بمظهر اللامبالي والهازل يؤدي هو الآخر إلى عدم احترامه وتجاهل تعليماته وبالتالي الوقوع في دوائر الخطر ومن ثم فقدان الثقة بشركة الخطوط الجويّة ذاتها. المحزن في الأمر هو حين تنتقل عدوى عدم الجديّة وفقدان الانضباط إلى العاملين في حقول لها تماسّ مباشر تماماً بحياة الناس كالأطباء والممرضين والطيارين والعاملين في مصانع الكيماويات والأدوية أو آبار النفط والغاز وغيرها .. وهنا أذكر حكاية قرأتها مؤخراً في إحدى الصحف العربيّة عن ميكانيكي بمصنع تعبئة الغازات تسبب في تسرّب طن ونصف الطن من الغاز مما أثار حالة من الخوف والهلع بين السكان وكاد أن يتسبب في كارثة كبيرة نتيجة لإهماله، هذا الميكانيكي المُهمل حين كان يُحاول القيام بضبط ضغط أحد أنابيب الغاز لم يتّخذ الاشتراطات المطلوبة للتعامل في مثل هذا الحالة بمعنى أنه لم يتعامل بجديّة يتطلبها الموقف ففقد السيطرة على الوضع وتسرّب الغاز الذي كاد أن يُهلك كثيراً من البشر، غلطة صغيرة كادتْ أن تتسبب في مأساة كبيرة وهذا هو الفرق بين من يتعامل بجدية في كل أموره وبين ذاك المستهتر اللامبالي. عدم جديّة حارس الحدود وجندي الدفاع وعامل الرادار قد يضيّع وطناً بأكمله. وعدم جديّة المجتمع بكافة مؤسساته في التعامل مع الظواهر المريبة والتساهل في التعامل مع الغلاة منغلقي العقول أدى إلى ولادة ظاهرة الارهاب ... وعدم جديّة الأم أو الأب في تربية ابنتهما المراهقة أو ابنهما المراهق يؤدي إلى وقوعهما في شرك المخدرات والضياع ثم احتراف الجريمة... عدم جديّة المهندس ومفتش المباني ومراقب البلدية وبقيّة الموظفين المعنيين قد يكون وراء حادثة انهيار مبنى (لؤلوة الموت) أثناء موسم حج هذا العام ولو قامت المؤسسات المختصّة بالسلامة ومنع الخسائر بمراجعة ملفات الكوارث صغيرها وكبيرها أجزم بأن بند الاهمال وعدم الجديّة سيتصدران الاسباب المباشرة في حدوثها.عدم الجديّة للأسف الشديد أصبح سمة تعرف بها مجتمعاتنا بل هي عادة قاتلة يمارسها الكثيرون هُنا، وفاقد الجديّة لن يُعطي سوى الفشل والخيبات وكثير من المآسي ويمكن التخلّص من هذه الآفة بتعليم الانضباط والصرامة في تدريبه منذ نعومة الاظافر وبجعل صغائر التفاصيل بذات أهمية كبائرها أليست النار الهائلة تأتي من مُستصغر الشررِ؟؟ aalkeaid @alriyadh.com