شدد أستاذ اللغة العربية بجامعة الملك سعود د.محمد الهدلق، أن رحلة ابن فضلان من أعظم ما قام به الرحالة المسلمون، ولها أثر مهم في احتكاك تلك الشعوب الهمجية بنور الحضارة، مبيناً أنه وعلى مدى ثلاث سنوات نقل الرحالة العربي البارز كثيرًا من ثقافات وعادات وطباع بلاد العجم والترك والصقالبة والروس وإسكندنافيا والخزر، وسجلها بدقة في كتاب اشتهر باسم «رسالة ابن فضلان»، جاء ذلك في محاضرة له بعنوان «الإنسان في رحلة ابن فضلان» صباح أمس بمجلس حمد الجاسر الثقافي، حيث أدارها د.صالح الغامدي. وتناول الهدلق سيرة ابن فضلان بقوله: «إنه أحمد بن العباس بن راشد بن حماد، عالم إسلامي من القرن العاشر الميلادي، كتب وصف رحلته كعضو في سفارة الخليفة العباسي إلى ملك الصقالبة (بلغار الفولجا) سنة 921م، الذي كتب أقدم وصف أجنبي لروسيا عام 922م»، وأضاف أنه في عام 921م (309ه) خرجت البعثة من بغداد بتكليف من الخليفة العباسي المقتدر بالله إلى قلب القارة الآسيوية في مكان عُرف وقتها باسم «أرض الصقالبة»، تلبية لطلب ملكهم في التعريف بالدين الإسلامي، حيث وصلت رسالة قيصر البلغار «ألموش بن يلطوار» طلبا لإرسال سفارة إلى القيصرية البلغارية لشرح مبادئ الإسلام، على أن يرسل الخليفة من يبني للقيصر مسجدًا يطل من محرابه على شعبه، وقلعة حصينة لمجابهة الأعداء، فاختار الخليفة «ابن فضلان» على رأس الرحلة تقديرًا لمكانته وقدرته على الحوار، حيث انطلق الوفد ماراً ببلاد عديدة شمالاً وقطع بلاد الترك حتى وصل إلى بلاد البلغار في أماكن لم يصلها مسلم قبلاً، وراح ابن فضلان يسجل أحداث رحلته ليكون كتاباً رائعاً عن تفاصيل مشاهداته. ووصف ابن فضلان في سجل رحلته عادات البلغار الغريبة والمزرية، حيث كانوا يأخذون الإنسان الفطن والذكي ويعلقونه على شجرة حتى يموت ليخدم الرب لأنه يصلح لذلك على حسب اعتقادهم، وكانوا يغتسلون في الأنهار عراة رجالاً ونساء لا يردعهم في ذلك شيء، وحاول نصحهم ونهيهم عن ذلك فلم يجد لذلك سبيلا. واستشهد الهدلق بما كتبه فضلان عن لباس الروس وزينة نسائهم وصفًا واضحًا ودقيقًا، واسترعت انتباهه هيئة الروس وتركيبتهم الجسدية، فكتب يقول: «لم أرَ أتمَّ أبدانًا منهم كأنهم النخل، شقر حمر لا يلبسون القراطق (قميص يصل إلى منتصف الجسم) ولا الخفاتين (الصدريات)، ولكن يلبس الرجل منهم كساء يشتمل به على أحد شقيه ويخرج إحدى يديه منه ومع كل واحد منهم فأس وسيف وسكين لا يفارقه وسيوفهم صفائح مشطبة أفرنجية». د. محمد الهدلق