عند مراجعة أغلب التجارب والدراسات لعمليات التغيير في الإدارة والمنظمات تلاحظ بشكل مستمر أن أحد أهم أسباب فشل عمليات التغيير في المنظمات هو ضعف ارتباط الموظفين بعملية التغيير "Engagement" بحيث نجد الإدارات العليا تصدر قرارات وتطبق أنظمة جديدة بدون أن تفسرها للموظفين أو تأخذ رأيهم أو حتى تدربهم على الطرق الجديدة. اليوم، نعيش مرحلة تغيير عظيمة يعتمد عليها مصير مستقبلنا، وذلك بالتحول الوطني لتحقيق رؤية السعودية 2030، ولكن حتى الآن ألاحظ ضعف مستوى الارتباط ما بين الأطراف المعنية Stakeholders كالموظفين والمواطنين والقطاع الخاص وبين القرارات التي تتخذها الوزارات والإدارات الحكومية المختلفة بين الحينة والأخرى. قبل عدة أسابيع، تم الإعلان عن إلغاء بدلات الموظفين الحكوميين مما أدى لانخفاض دخلهم السنوي بشكل متفاوت، ولم يخرج حينها أي تصريح من الوزارات الحكومية يوضح الهدف من هذا القرار وأهميته لخطة السعودية في إعادة هيكلة أنظمة تحفيز الموظفين لتتواءم مع التغييرات الأخيرة في خطة التحول الوطني التي أعلنها المجلس قبل عدة أشهر. بسبب اطلاعي على مختلف مبادرات التحول الوطني الاستراتيجية استوعبت طبيعة هذه التغيير وأنه جزء من إعادة هيكلة نظام الحوافز للموظفين الحكوميين ليكون مناسبا مع خطط التغيير الجديدة لتحقيق أهداف رؤية السعودية 2030، ولكن أغلب الأطراف المعنية كالموظفين الحكوميين والقطاع الخاص لم يستوعبها بشكل صحيح، بل فهمها على أنها أحد قرارات سياسة التقشف لخفض الإنفاق العام وأن الخطوة القادمة هي خفض الرواتب وخفض القوى العاملة. نتائج فهم القرار بشكل خاطئ كانت كارثية حيث بدأت في سوق الأسهم بسبب طبيعته المرنة مع السيولة حيث بدأت عمليات البيع ودفعت البنوك والمؤسسات المالية لتصفية المحافظ لديها بسبب التسهيلات المقدمة مؤخرا مسببة خسائر لا داعي لها للمساهمين ولبقية اطراف الاقتصاد لاحقا. النتائج الكارثية لن تكتفِ بسوق الأسهم فقط فقد كان البداية، فالمتوقع أن يمتد ذلك بكل سهولة إلى شركات القطاع الخاص ويتم العمل على خفض المصاريف وفصل الموظفين بشكل أكبر، وربما يعرض بعض الشركات لإعلان الإفلاس بعد إقرار قانون إفلاس الشركات الجديد من قبل وزارة التجارة. الأهم من ذلك أن المستثمرين في القطاع الخاص من المرجح أن يستمروا في توقفهم عن الاستثمار في الاقتصاد وتزداد مدة انتظارهم وتتسرب أموالهم إلى خارج البلد بشكل تدريجي بحثا عن فرص أفضل. هذا السيناريو لن يكون جيدا عندما يبدء الاقتصاد في مرحلة الانكماش بسبب إلغاء البدلات، فمن المهم إبقاء مستوى الارتباط عاليا مع المستثمرين خلال الفترة الحالية لكي لا يقع الاقتصاد بشكل غير مقصود في انكماش حاد خاصة مع استمرار ارتفاع معدل فائدة السايبور لمستوى أعلى من 4% خلال الأشهر القادمة وركون الكثير من المستثمرين إلى الادخار في المرابحات. حديث الوزراء مع داود يعتبر مبادرة جيدة ولكنها ليست كافية لزيادة معدل ارتباط الأطراف المعنية بعملية التغيير، فكثرة عمليات التغيير الواسعة ستفتح المجال للشائعات التي يمكن أن يكون أثرها السلبي كبير جدا مثل شائعة تغيير سياسة ربط الريال بالدولار التي بدأت من صحفية الكترونية عندما ذكرت الجزء الخاص بمخاطر العملة في نشرة اصدار السندات الدولية. اليوم، الوزارات والإدارات الحكومية تحتاج للعمل سريعا مع المجلس الاقتصادي لترتيب خطة تهتم بتحسين معدل ارتباط الأطراف المعنية في البلد مع خطة التغيير والتأكد من أن مستوى المعدل دائما عالي لنتجنب مخاطر انكماشية حادة في الاقتصاد غير مقصودة ونقفل الباب على انتشار الشائعات نهائيا.