حينما أتصفح محتوى بعض مواقع الشركات السعودية البارزة لدراستها أو تحليلها أتوقف عند بعض الأخبار حول تنظيمها مشروعات أو جهودا تندرج تحت مفهوم المسؤولية الاجتماعية للشركات Corporate Social Responsibility (CSR) بشيء من الاستغراب حول كيفية تصميم هذه المشروعات؟ وماذا تهدف له؟ وهل يُعتقد بأنها حققت أهدافها؟ بغض النظر عن الجدلية القائمة على المستويين الأكاديمي والتطبيقي حول مدى وجود علاقة مباشرة بين المسؤولية الاجتماعية والربحية، فإن حتمية وجود مثل هذه المشاريع على مستوى الشركات الدولية متعددة الجنسيات والشركات الوطنية القيادية وحتى المنشآت التي تدخل في نطاق (الكبرى) لم يعد مثار جدل لثلاثة أسباب على الأقل. السبب الأول أن المنظمات الكبرى تحتاج إلى الاستقرار (بمعنى عدم الاهتزاز) وهو ما لا يمكن مع بقائها منفصلة عن متطلبات بيئتها الداخلية وطبيعة البيئة الخارجية للمنظمة، إضافة إلى ذلك فإن هذه التطبيقات أصبحت جزءا من المقومات التنافسية للشركات وقدرتها على كسب الموارد البشرية، وولاء المجتمع وهو ما يؤثر بشكل غير مباشر في الربحية أيضاً، فضلاً عن كون مؤشر المسؤولية الاجتماعية أصبح عاملاً في تقييم كفاءة الشركات. السؤال إذن، طالما هذه المشروعات حتمية، وسيرصد لها موازنات كبيرة لماذا لا تُنفذ بصورة احترافية لتقدم نماذج ناجحة (مع وجود استثناءات)؟ جواب هذا السؤال لا يتسع المقال لعرضه لكني سأركز على تحد رئيسي يمكن استقراؤه من مراجعة سريعة لجانب من المشروعات السعودية في مجال المسؤولية الاجتماعية أو الحديث مع قياديين في السوق المحلي وهو حسم معايير التقييم. (أغلبية المنظمات الحكومية والاقتصادية تعتمد المعايير الكمية في قياس وتقييم أعمالها، وكما هو معروف (برغم كثير من النقد) فإن العوامل الكيفية مثل الإنتاجية، الرضا الوظيفي، الولاء.. إلخ تحول لنتائج كمية بطرق من أشهرها مقياس ليكرت الخماسي وغيره من المقاييس الإحصائية الأخرى، مع هذا فإنها لا تُفسر أسباب النجاح أو الفشل والأهم من ذلك هو أن هذه القياسات قد تُبنى على معايير خاطئة). أهم معيارين يجب أن تُبنى عليهما المسؤولية الاجتماعية للشركات هي قاعدة توقعات المستفيدين (Stakeholders) ومناسبة السياق (Context)، الأولى هي القاعدة التي صاغها إلى حد كبير كرامر 2005 في ست عمليات تبدأ بصياغة توقعات ومطالب المستفيدين وتنتهي بتفعيل الاتصالات الداخلية والخارجية للمنظمة لتحقيق الهدف من المشروع، أما القاعدة الأخرى فهي قاعدة خو وتان 2002 المستمدة من ال(ABEF) الأسترالية والتي تعتمد على دائرة من العمل المنسجم تتطابق إلى حد كبير مع نظريات إدارة التغيير الإستراتيجي من فهم وتهيئة السياق، ثم التحول والتطبيق وأخيرا عوامل استمرارية النتائج. فيما يتعلق بالمعيار الأول فإن أكبر تحد يواجه منشآتنا هو تعريف من هم (المستفيدون) وليس الجمهور، هذا التعريف مسؤول عن فوارق كبيرة فيما يتعلق بقرارات الموازنة، تصميم الرسالة والرؤية وتنفيذ المشروع، أما التحدي الآخر فهو فهم وترجمة توقعات المستفيدين على سبيل المثال وفق إطار القيم المتنافسةcompeting values framework. أما القاعدة الأخرى فهي أكثر تعقيداً فكثير من الشركات السعودية تعتمد على أحد ثلاثة خيارات منطقية في تصميم مشاريع المسؤولية الاجتماعية الأول بالتعاقد مع بيوت خبرة أجنبية في هذا المجال، أو الاعتماد على موظفين غير سعوديين أو تقليد أعمال شركات أجنبية. في حين أن تصميم برامج معلبة أو خارج سياق المجتمع قد تحقق أهدافاً لكنها لن تتعدى ما يمكن قراءته في بعض مواقع الشركات لكنها للأمانة لا توازي ما ينفق عليها وبعضها لا يتناسب مع أولويات المستفيدين وربما يمس صورة المنظمة. لكن الأكثر إيلاماً وفق دراسة نُشرت في Journal of Business Ethics فإن بعض الشركات متعددة الجنسيات (يمكن معرفتها بالاسم في المجلة العلمية) والتي تُعتبر بمثابة القدوة حققت نتائج كارثية في مجال المسؤولية الاجتماعية تسببت في آثار ربما لا تتحملها شركاتنا التي لا تملك السمعة والإرث الذي تمتلكه تلك الشركات بينما حققت بعض الشركات الأجنبية الأقل سمعة لدينا وباستثمار أقل نتائج عظيمة. أخيراً تبقى المبالغ التي تدفعها منظمات القطاع العام والخاص هدرا ماليا لموارد الاقتصاد لا تحقق أهدافها بكفاءة، وعلى الصعيد الاجتماعي فإن هذه المنظمات ستواجه حقيقة علاقتها مع المجتمع مع الانفتاح القادم في السوق المحلي أو في حال ظهور أزمات (لا سمح الله).