من الطبيعي أن نلاحظ تكاثر المتشائمين مع خصوبة الإصلاحات الاقتصادية والمالية التي تنشط فيها جيناتهم التشاؤمية. فقد أوضحت بعض الدراسات السيكولوجية، أن بعض الناس يولدون متشائمين بسبب بعض الجينات التي لا تنشط في العادة إلا بعد ان يمر أصحابها ببعض التجارب. هكذا أدت برامج التحول لتنويع دخل الميزانية العامة من مصادر غير نفطية بنسبة اكبر مما سبق الى تنشيط هذه الجينات النائمة في عقول البعض من خلال تماديهم في بث روح التشاؤم والإحباط وعدم قبول الاصلاحات المالية في اوساط المجتمع. وهذا على عكس ما هو متوقع من ردة فعل ايجابية وتفاؤل بتغيير الحاضر من اجل مستقبل افضل. ان تنويع دخل الدولة ضروري لتحقيق الاستقرار المالي في ميزانيتها مع تقلب اسعار النفط وتراجع ايراداتها الخاضعة لقوة عوامل الطلب والعرض العالمية. وهذا ما حدث عندما تراجعت الاسعار من أعلى قمة لها في يوليو 2014م، حيث تراجع سعرا غرب تكساس وبرنت من متوسط 103.6 دولارات و106.8 دولارات الى متوسط 44.7 دولارا و45.8 دولارا حاليا. لذلك حققت ميزانية 2014م عجزا قدره (66-) مليار ريال مع ان اسعار النفط مازالت جيدة ولكن تسببت زيادة المصروفات الفعلية عن التقديرية في هذا العجز، ثم حققت الميزانية في 2015م عجزا قدره (376-) مليار ريال مع تراجع الاسعار وارتفاع المصروفات الفعلية عن التقديرية، اما في 2016م فان المصروفات التقديرية 840 مليار ريال وبإيرادات تقدرية 513.8 مليار ريال أي بعجز قدرة (326.2-) مليار ريال نتيجة تراجع متوسط الاسعار المتوقعة بنسبة 16% هذا العام عن سابقه. وبهذا قامت الدولة باتخاذ عدة خطوات منذ عام 2015م لمعالجة العجز في نفس العام من خلال ترشيد الانفاق الحكومي ورفع كفاءته وترتيب اولوياته وزيادة الايرادات غير النفطية التي بلغت في هذه الميزانية (163.5) مليار ريال بزيادة قدرها 29%، مما يعتبر انجازا كبيرا. وبهذا تضمن برنامج التحول الوطني اهدافا استراتيجية ضمن رؤية 2030 بزيادة الايرادات النفطية وغير النفطية من خلال فرض رسوم جديدة او زيادتها وتقليص دعم الطاقة وزيادة استثماراتها وطرح سندات باستثمارات محلية وخارجية بأسعار فائدة منخفضة من اجل تعزيز السيولة واستمرار الانفاق الحكومي على مشاريع البنية التحتية. فإننا نتوقع ان ينخفض العجز في الميزانية لهذا العام الى 9% من اجمالي الناتج المحلي الذي نتوقع ان ينمو بمعدل 1% الى 2.547 تريليون ريال مع تحسن اسعار النفط في الاشهر الاربعة الاخيرة وارتفاع الايرادات غير النفطية المتوقع وصولها الى 225 مليار ريال أي بزيادة عن العام الماضي بنسبة 38%، ليصبح اجمالي الايرادات 645 مليار ريال أي تفوق الايرادات التقديريه بمقدار 131 مليار ريال تحت فرضية بقاء متوسط الاسعار عند 50 دولارا وعدم تجاوز المصروفات الفعلية التقديرية. واذكر هؤلاء المتشائمين بان "ستاندرد آند بورز" في تقريرها الاخير صنفت الوضع الائتماني للمملكة عند A-/A-2 مع نظرة مستقبلية مستقرة وتتوقع أن يظل وضع الموازنة قوياً في المملكة خلال الفترة من 2016 إلى 2019م. كما ان صندوق النقد الدولي والمؤسسات المالية العالمية تشيد بل تؤكد ضرورة الاصلاحات الاقتصادية والمالية التي تقوم بها المملكة وان الاستمرار في تنفيذها يزيد من القوة الاقتصادية للمملكة ويحول العجز السنوي في الميزانية الى فائض في غضون السنوات القليلة القادمة، بل تخلق بيئة استثمارية جاذبة. هكذا يمكن تنويع مصادر دخل الدولة من الاستمرار في الانفاق على مشاريع البنية التحتية بغض النظر عن تقلبات اسعار النفط بين فترة وأخرى، مما يزيد رفاهية المواطن ويدعم مساهمة القطاع الخاص في اجمالي الناتج المحلي التي لم تتجاوز 40% حاليا الى اكثر من 65% خلال رؤية 2030. اذا برنامج التحول ينوع المصادر المالية والاقتصادية في مسار نمو مستمر ويقلص عجز الميزانية ..وعلى المتشائمين ان يتفاءلوا.