شهد لبنان أمس إحياء "العونيين" أي مناصري "التيار الوطني الحرّ" والعماد ميشال عون تظاهرات حاشدة على طريق "قصر بعبدا" الرئاسي إحياء لذكرى "13 تشرين"، وهي ذكرى إخراج الجيش السوري للعماد ميشال عون من "قصر بعبدا" عنوة عام 1990 بعد قصفه واقتحامه. وليس إحياء الذكرى هذه السنة عاديّا، لأنها تتزامن مع تجييش عوني غير مسبوق لانتخاب العماد عون رئيسا للجمهورية ومع حملة يقودها رئيس "التيار الوطني الحرّ" وزير الخارجية والمغتربين جبران باسيل تحت عنوان الميثاقية، مطالبا بتصحيح الخلل في المشاركة في السلطة. ولعلّ المميز في ذكرى هذه السنة أن العونيين الذين تظاهروا بالأمس "على طريق القصر"، هم على يقين بأنهم سيكونون في داخله في 31 تشرين الأول (أكتوبر الجاري) تاريخ انعقاد الجلسة ال44 لانتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية. والمميز أيضا بأن العونيين لم يطلقوا هذه السنة أي شعارات معادية ل"تيار المستقبل" وكيف يفعلون ذلك وهم بانتظار "الكلمة السحرية" لرئيس "التيار الأزرق" سعد الحريري بترشيح العماد ميشال عون للرئاسة الأولى. وإذا كان الحريري لم يظفر لغاية اليوم بغطاء من شارعه السني ولا من كتلته النيابية، فإنه يستمرّ بمشاوراته لاجتياز عقبة الانتخاب واضعا نصب عينيه ملء الشغور الرئاسي، لأنه كما قال أمام أعضاء كتلته النيابية منذ فترة، فإنّ لبنان لا يمكنه أن يكمل وسط الفراغ الرئاسي. في هذا الإطار يحاول اللبنانيون إخراج الاستحقاق الرئاسي من عنق الزجاجة الإقليمي، وإذا كانت المملكة العربية السعودية رفضت كليا التدخّل بالشأن اللبناني كما سرّب أكثر من زائر للمملكة أخيرا، فإن إيران تضع هذا الاستحقاق كليا بين يدي "حزب الله" الذي لا يزال يمارس المماحكات والمناورات السياسية مختبئا في الظاهر وراء ترشيحه للعماد عون ومفاوضا وراء الكواليس على "سلّة" صلاحيات وضمانات تخصّه وتخصّ دوره مع الحكم الجديد. وهذا التفصيل الذي حاول العونيون التقليل من أهميته ليس شأنا بسيطا، وإذا كان الحريري صادقا فعليا في محاولته ملء الشغور الرئاسي لتجنيب لبنان الأسوأ، فإن دون نواياه الصادقة عقبات عدّة يعمل المعنيون على تذليلها وتتعلق بمجملها بأدوار وحصص كل طرف لبناني في الحكم الجديد. في هذا الإطار فإنّ "حزب الله" لا يريد إتمام الإنتخابات الرئاسيّة، وكان متّكلا على الرئيس نبيه برّي لتعطيلها لكن يبدو أن دون حركة برّي عثرات جدية أبرزها موقف البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي الذي يتولى حاليا مهمّة "نسف السلّة" وهي آخر أسلحة "حزب الله". ما يسرّب من أوساط قريبة من "حزب الله" بأن أي اتفاق بين الحريري وعون ليس كافيا، بل إن أيّ اتفاق يجب أن يكون بين الحريري و"حزب الله" مباشرة، وهو ما ألمح إليه أمين عام "حزب الله" حسن نصر الله في كلمته العاشورائية، حين تحدث عن تفاهمات ممكنة بين عون وبرّي مقتربا من الهدف الحقيقي ألا وهو نسج تفاهمات بين الحريري وبين حزبه. وأي اتفاق بين الحريري و"حزب الله" لا يصبّ في صالح عون الذي يتراجع موقعه التفاوضي، ويعرّض الرئاسة الى مزيد من المماطلة والتأجيل الى أن تحين الفرصة الإقليمية السانحة، وتلخّص أوساط مسيحية ما يريده "حزب الله" واضعة إياه في خانة "المستحيل"، فهو يريد الفراغ والاستقرار وميشال عون وهو أمر مستحيل التحقيق، وقد نجح "حزب الله" في الحفاظ على هذه الثلاثية على مدى عامين ونصف العام لكن بات من الصعب عليه الإكمال.