هل سبق وسمعت بقانون "باركسون"؟ بكل بساطة يفترض القانون أن أي مهمة سوف يتمدد العمل فيها لكي تملأ الوقت المتاح لإنجازها، فمثلاً إذا خصصت ساعة واحدة لإنجاز مهمة محددة، مقابل ساعتين لنفس المهمة، فإنك تميل لإنجاز هذه المهمة ضمن الأوقات المتاحة، أي أن العمل يتمدد لكي يغطي الوقت المتاح سواء كان ساعة أو ساعتين! بالطبع هذا ما يحدث في عملنا اليومي وكذلك في مهام حياتنا الخاصة، فالمهمة إذا ما كانت غير محددة بإطار زمني سوف يطول إنجازها، على عكس تلك الأخرى المحددة، هناك في مملكة السويد تلقفت بضع شركات هذا القانون منذ سنوات، واعتمدت على فكرته بتقليص عدد ساعات العمل اليومي من ثماني إلى ست ساعات فقط، على افتراض أن ما ينجز في ثماني ساعات من الممكن إنجازه في ست ساعات، متى ما توفر الحافز بساعات عمل أقل وخروج مبكر للمنزل. مصنع شركة سيارات تويوتا غرب السويد تبنى هذا الأسلوب منذ أكثر من ثلاث عشرة سنة، لُتظهر نتائج الشركة المتتالية ارتفاعاً في الربحية، وتصاعداً في سعادة الموظفين، ونسبة استقالات أقل، مما جعلها تستمر في نظام العمل ست ساعات يومياً حتى وقتنا الحاضر، الأمر الذي شجع قطاعات حكومية سويدية على تنبى الفكرة ودراستها عبر تطبيقها لمدة ستة عشر عاماً في إدارة حكومية في مدينة المناجم "كيرونا" شمال البلاد، ودراسة النتائج لمحاولة تطبيق الأسلوب وتعميمه، لكن هذه التجربة رغم بوادر نجاحها توقفت مؤخراً بسبب صراعات سياسية. على الجانب الآخر يتزايد عدد الشركات السويدية -وبالذات شركات رواد الأعمال الشباب- التي تتبنى ساعات عمل أقل، مثل شركة "فيلمنديس" للتطبيقات الإلكترونية في استكهولم، التي اعتمدت هذا الأسلوب عبر تنويع المهام اليومية وتحديد الأهداف المطلوبة، ومنع إضاعة الوقت بالمكالمات الهاتفية الخاصة والتواصل الاجتماعي، مما انعكس على الإنتاجية وعلى مستوى سعادة الموظفين، فهم ينهون أعمالهم ويخرجون مبكراً، ويستطيعون قضاء وقت أوسع مع عوائلهم وأصدقائهم. دون إغفال تجربة المستشفى الجامعي في "غوتنبيرغ"، الذي حقق تصاعدا في إنتاجية أقسام الجراحة التي تبنت هذا المفهوم مبكراً، ناهيك عن تزايد شعور الأطباء والممرضات بالراحة النفسية والتركيز في العمل. بالطبع ساعات العمل الثماني أطول من الساعات الست، لكنها حتماً ليست أكثر إنتاجية، وبالذات في القطاع الحكومي، حيث تغيب مؤشرات الأداء والأهداف ذات القياس المحدد، لذا يُعتقد أن اعتماد سياسة العمل لمدة ست ساعات وربطها بإنجاز مهام وتحقيق أهداف محددة سوف يزيد الإنتاجية ويرفع مستوى رضى العملاء، ناهيك أن التركيز على أداء مهمة واحدة سوف يزيد من كفاءة ساعات العمل الأقصر. وحتى ذلك اليوم الذي تتقلص فيه ساعات العمل إلى ست ساعات؛ تستطيع أنت أن تكسب ساعات فراغ أوسع وهوايات أشمل؛ فقط متى ما وضعت جدولاً زمنياً محدداً ومكتوباً لإنهاء واجباتك العائلية والمنزلية، فهي كما الأعمال تتمدد متى ما كان الوقت المتوقع لإنجازها مفتوحاً، حينها سوف تشعر أن ساعات اليوم الواحد كافية لأي شيء ترغب به. [email protected]