منذ أن برزت آثار انخفاض أسعار النفط قبل عامين والجميع يعلم بحجم الصعوبات التي ستواجه دولنا النفطية وتأثير ذلك على حجم الإنفاق العام والتوجهات الواجب إقرارها لتنويع مصادر الدخل لاستمرار مسيرة التنمية، الا ان الاهتمامات الاعلامية تركزت على اقتصاديات الدول ومدى قدرة منشآت القطاع الخاص على تحمل تلك الصعوبات خلال فترة الركود، ولم يعط للفرد كمواطن وموظف بالقطاعين العام والخاص أي اهتمام يتعلق بآثار ذلك بانخفاض الفرص الوظيفية ومستوى الدخل والتكلفة الإضافية التي ستتحملها الحياة المعيشية وتبعات ذلك على ارتفاع مستويات الاقتراض وغيرها من المتطلبات اللازم اتخاذها للتكيف مبكرا مع الوضع الجديد، بل انه لم تبحث حالة معظم المنشآت الخاصة ومستقبلها وماقد ينتج عن ذلك من احتكار لبعض الأنشطة التجارية والخدمية. وبعيدا عن النشاطات التجارية لمنشآتنا التي لا ترتبط نتائجها بممارسات وسلوكيات الاستهلاك للأفراد التي تعتمد على مستوى الدخل، فان الصورة عن مستوى قدرة التحمل للمنشآت التجارية وخصوصا الصغيرة والمتوسطة التي تعتمد عليها المجتمعات مازالت غير واضحة وخصوصا ما يتعلق باستمرار بعضها وكيفية الصمود امام الصعوبات المفاجئة لها والتي ساهمت فيها الضبابية تجاه المستقبل وما قد تصدر من قرارات مؤثره على مستوى الدخل او الرسوم المفروضة عليها والتي مازالت تتوالى وستدفع البعض للخروج من السوق والتحول من أصحاب اعمال الى بطاله تبحث عن عمل، في ظل عدم وجود جهة فاعلة خلال هذه الفترة ترعى تلك المنشآت، بل ان الكثير من قرارات التأسيس والتوسع تم تأجيلها لحاجة دراسات الجدوى لمزيد من التعديل وفقا للمستجدات، ومن الواضح ان الكثير من الأنشطة المتستر عليها والتي لا تتوفر لأصحابها الملاءة المالية لن تصمد امام انخفاض الحركة التجارية وستغلق ولن تستفيد من الانخفاض المتوقع للإيجارات الذي سيحدث كنتيجة لإغلاق الكثير منها، وبالتالي ستتركز الأنشطة لدى منشآت كبرى لها القدرة على تحمل جميع الصعوبات مما يدعم الاحتكار وتحول معظم الشباب الى عاملين بها سواء الوطنية او المرخص لها كاستثمار اجنبي بدلا من ان يكونوا ملاكا لها. اما على مستوى تكلفة الحياة المعيشية فان هناك غيابا كاملا عن نشر ثقافة كفاءة الانفاق والاستهلاك للأسر وتجاهل لنماذج القدوة بمجتمعنا ممن انعم الله عليهم ويمارسون حياة معيشية لائقة وبدون هدر واسراف، فالمؤسف طوال السنوات الأخيرة تزايدت حياة البذخ من بعض الاسر وتحولت جوانب عديدة من حياة اسر متوسطة الحال الى المظاهر والتفاخر وانفاق الأموال العالية على حساب الاستثمار او بالقروض، والغريب انه مع مواجهة تلك الاسر لمشكلة تآكل الطبقة الوسطى لم يتنبه الجميع (مواطنون ومسئولون وجهات إعلامية) الى أهمية إعادة النظر في سلوكياتنا بحياتنا والمناسبات، وقد ظهر واضحا تأثير قرارات الغاء البدلات على مستوى الدخل والمطالبات بإعادة جدولة القروض، مما يؤكد الى ان القدرة على التحمل للكثير من الاسر ضعيفة جدا وستواجه صعوبات كبيرة بالإنفاق مع ان البعض منهم سقط للشريحة الأقل ويحاول المحافظة على الظهور بالبقاء بالطبقة الوسطى، والغريب انه مع معايشة واقع انخفاض الدخل وتعدد قنوات الصرف لم تعِ الكثير من الاسر تبعات ماتشهده في هذه المرحلة لتهيئة افراد الأسرة لذلك، ولكن مع ان هناك انخفاضا متوقعا لبعض جوانب المعيشة مثل الايجارات فانه ليس من المناسب إعطاء تأكيدات بان الأسعار ستنخفض بسبب الركود وضعف القوة الشرائية، لكون حد التكلفة للخدمة او السلعة هو المحدد للتسعير والذي يشهد حاليا نموا ومن عدة مصادر ولا توجد رؤية واضحة تجاه التكلفة النهائية، كما انه بالجانب الاخر هناك قنوات صرف جديدة يجب ان تؤخذ بالاعتبار للمنشآت والافراد لتجاوز هذه المرحلة التي قد يستفيد بعد نهايتها المنشآت التي لدى ملاكها القدرة المالية ومصادر دخل أخرى وكذلك المنشآت الجديدة التي تؤسس مستقبلا بعد وضوح جميع العوامل المؤثرة ووفق دراسات جدوى واقعية.