ازدهرت حركة الإيجارات في الأحياء الشعبية ومتوسطة الدخل في عدد من المناطق بعد عودة كثير من أبنائها من "رحلة الشمال" خالين الوفاض.. هذه الرحلة التي كلفتهم كثيراً من المبالغ لأستئجار شقة (غرفتين وصالة) بمبلغ 25 ألف ريال، ليجدو أنفسهم أمام حل واحد، هو العودة سريعاً إلى سكن في شقة بمبلغ عشرة الآف ريال في حي مناسب لإمكاناتهم، وحتى يبقى من الراتب ما يسد حاجتهم إلى آخر الشهر.. مساكن «الأحياء القديمة» تزدهر وتعيد «جيل ما قبل الطفرة» حركة تنقلات المستأجرين التي تشهدها مدينة مثل الرياض بشكل يومي تركزت على الإيجار الأرخص، والمقبول الذي يسمح بالسكن بغض النظرعن الموقع؛ لأن الأرقام الفلكية التي وصلت إليها الإيجارات صادق عليها حجم التضخم (6%) المعلن قبل أيام، وهو مؤشر على أن المواطن لم تعد أمامه خيارات كثيرة في السكن، منهياً بذلك مرحلة زمنية من "الفشخرة"، وربما "الكلافة الزائدة" غير المبررة، ليعيش واقعاً جديداً يسعى أن يتكيف معه، فهل يستطيع؟. "الرياض" رصدت بوادر هذه الرحلة التي لا تزال في بداياتها، والخوف أن تستمر وقتاً طويلاً، وما يترتب على ذلك من آثار نفسية واجتماعية وأمنية، كما زارت عدد من الأسر التي عادت إلى الأحياء القديمة، وكان السبب الرئيس هو ارتفاع الإيجارات غير المبررة. محمد النزهان من خلال هذا "التحقيق" سعينا إلى إعادة فئة الطبقة الوسطى في مجتمعنا إلى دائرة الاهتمام الحكومي، ووضع همومها في صدارة خطط الدولة التي لا تألو جهداً في توفير الحياة الكريمة لكل مواطن، وفقاً لخطط التنمية المستدامة التي تسعى إلى تحقيقها. الحي القديم يقول المواطن "فهد المنصور": إنني تحولت من السكن في "حي العقيق" شمال الرياض إلى السكن في "حي الشميسي" وسط الرياض، بسبب ارتفاع أسعار إيجارات المساكن، مضيفاً أن المواطن العادي متوسط الدخل لن يستطيع استئجار مسكن في حي يتناسب ووضعه الاجتماعي، الذي من المفترض أن يعيشه بين أفراد مجتمعه، موضحاً أنه سكن في بيت مع أخوته في "حي العقيق" بشمال الرياض، وعندما أراد الاستقلال في مسكن خاص وجد أن تكاليف الاستقلال في مسكن يناسب وضعه الاجتماعي مجرد حلم؛ لأن المصاريف تكاثرت عليه، ومرتبه لا يفي باحتياجاته الأسرية الضرورية، لافتاً إلى أنه بعد تفكير عميق اتخذ قراراً بالرجوع إلى الحي القديم والاستئجار هناك، لتوافر كافة متطلبات الفرد اليومية، مقرراً ترك "حي العقيق" والسكن في "حي الشميسي" حتى يقوم بالتوفير من راتبه لمواجهة متطلبات الحياة، موضحاً أنه استطاع توفير مبلغ لا بأس فيه، ومتى ما سمحت الظروف، فسوف يعود إلى السكن في الأحياء التي تلائمه - بإذن الله -. حي شعبي مزدهر بالسكان نتيجة انخفاض الإيجارات غلاء فاحش وطالب "المنصور" الجهات المسؤولة خاصة حماية المستهلك بالوقوف في وجه الغلاء الذي نعايشه في حياتنا اليومية، ويهدد بالتهام رواتبنا، قائلاً: للأسف أن حماية المستهلك اسمها أكبر من عملها، متمنياً أن توجد الحلول المناسبة للوقوف بوجه الغلاء، وألا تقف مكتوفة الأيدي أمام هذه المشكلة، فمتى نسمع عن إيجاد أو استحداث حلول مناسبة للحد من هذا الغلاء الفاحش في كل شيء كي نضمن العيش الشريف لنا ولأجيالنا المقبلة؟، مشيراً إلى أن غلاء الأسعار نذير بأننا وصلنا إلى مرحلة الخطر، ويحصل إذا لم يكن هناك وقفة جادة وإنصاف المواطن من الجهات التي تسعى لاستنزاف جيوبه بشتى الطرق. المنصور: غادرت «العقيق» واستقررت في «الشميسي»! عادوا إلينا ويوضح المواطن "محمد النزهان" الذي لازال يسكن مع عائلته الكبيرة في "حي الشميسي" أن والده - رحمه الله - قبل أكثر من عشرة أعوام هدم منزلهم القديم المبني من الطين وإقامة منزلهم الحديث، حيث قسّمه إلى عدة وحدات لكي يستفيد أبنائه منها بعد زواجهم، وبعد أن تزوجوا نزحوا من هذا الحي إلى أحياء جديدة، واستأجروا منازل في تلك الأحياء بالقرب من أقاربهم وذويهم، مضيفاً: "لكن منذ حوالي السنة رجع أكثر أخوتي وسكنوا معنا في المنزل، كل واحد منهم في وحدة مستقلة كما خطط لها الوالد - رحمه الله - الذي كان لديه إحساس بأن الإنسان لابد أن يعود إلى القديم مهما كان السبب"، مستشهداً بالمثل الشعبي الذي يقول: "إذا كنت عن شي غني بضمه فلابد أن يقول لك الزمان هاته"، مؤكداً أن سبب رجوع أخوته للسكن معهم يعود إلى عدم تحملهم ارتفاع أسعار الإيجارات في تلك الأحياء الجديدة؛ لأن رواتبهم على "قدهم" ولا تفي بمتطلبات أسرهم. الزميل السكران يقف أمام منزل قديم عاد إليه صاحبه بعد معاناته من ارتفاع أسعار الإيجار واقع جديد والتقت "الرياض" ب"أبومحمد المهيزع" - صاحب مكتب عقارات بالشميسي -، وقال: الأسرة في مجتمعنا تعد جزءاً من البناء الاجتماعي التي تأثرت بالمتغيرات الاقتصادية خلال السنوات الماضية، وهو ما أدى إلى إحداث تغيرات اجتماعية كبيرة في الأسرة السعودية، ونتيجة لذلك تغيرت معها كثير من القناعات والمفاهيم، وربما العادات، مشيراً إلى أن الأحياء التي ظهرت مع بدايات الطفرة وسكنتها طبقات مختلفة لم يكن سكنها جاء وفق دراسات علمية، بل كان الأمر عشوائياً، فكل من امتلك أرضاً واستطاع البناء عليها، أو استطاع شراء منزلاً في هذا الأحياء ينتقل إليها، دون مراعاة لحجم الصرف الذي سوف ينفقه بعد خروجه من منزل كان في حدود (200م) إلى بيت قد يصل إلى (1000م)، مما زاد من أعباء الصرف لديه؛ لأنه إما معتمداً على الراتب، أو أن لديه مدخرات يستفيد من دخلها شهرياً، موضحاً أن الطبقة الوسطى التي توزعت على تلك الأحياء كافحت وقاومت السقوط عندما قل دخل الفرد فيها؛ بسبب النكسات الاقتصادية العالمية، وأهمها نكسة الأسهم التي دخل فيها الناس دون دراسة فاستولت على كثير من مدخراتهم وأصبحوا في ليلة وضحاها فقراء بعد غنى، ولكن أجبرتهم الظروف على أن يتخلوا عن كثير من المظاهر والعيش بدونها، مما أجبر الكثير منهم بترك حياة المنازل الفارهة والعودة إلى منازلهم القديمة التي خرجوا منها، على الأقل حتى يستردوا عافيتهم من النكسات المالية التي منوا بها. وأضاف: بحكم أنني صاحب مكتب عقار قديم فإنني بدأت الاحظ تحولاً وتسرباً من فئة الطبقة الوسطى التي تنازلت عن السكن في أحيائهم الجديدة بين ذويهم؛ بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة إلى أحياء قديمة، مشيراً إلى أنه يعرف أسراً رجعت إلى بيوتهم القديمة ورمموها وسكنوها، والسبب أنهم بذلك سيتخلصون من دفع إيجارات سنوية أصبحت لا تطاق، مبيناً أن هذه الحالات تشير إلى تفاقم أزمة المسكن وستعاني شريحة من المواطنين من ارتفاع وغلا المساكن الخاصة وإيجاراتها، كما أن الفئة الاجتماعية الوسطى في ظل هذه الظروف سوف تزداد حاجتها للسكن ضمن فئة الدخل المحدود والفقراء. المواطن المنصور متحدثاً إلى الزميل السكران «عدسة - حاتم عمر» النزهان: إخواني خرجوا من «بيت الوالد» وعادوا سريعاً تآكل الطبقة الوسطى وتشاركنا الرأي "جواهر عبد العال" مسؤولة في الحرس الوطني بقولها: إن الحفاظ على الطبقة الوسطى في المجتمع أمر غاية في الأهمية، وإهمالها وعدم التخطيط لمستقبلها قد يسهم في فسادها، متأسفةً على أنها بدت تلاحظ تآكل هذه الطبقة، مما يهدد بوقوع خطر كبير على التركيبة السكانية في المملكة، معتبرةً الطبقة الوسطى فئة صغيرة جداً ولا تشكل سوى (30%) من الأسر السعودية، بينما تبلغ نسبة الطبقة الوسطى في الدول التي تشابه ظروف المملكة من حيث الناتج المحلي للفرد أكثر من (60%)، والسبب في تآك الطبقة الوسطى في مجتمعنا قد يكون بسبب دخول أكثرهم في مغامرات مالية غير محسوبة، أكلت الأخضر واليابس، وجعلت غالبيتهم مدينون للبنوك وبقروض تلتهم جل رواتبهم لسنوات قد تصل إلى العشر المقبلة، لافتةً أنها ترى أنه لابد من الوقوف ضد تآكل هذه الفئة حتى لا يكون المجتمع وفق طبقتين غنية وفقيرة فقط، وهذا قد يسبب كارثة قد تحل بالمجتمع، موضحةً أن كثير من الدلائل تشير إلى أن الطبقة الوسطى في أي مجتمع تعد صمام أمان ودلالة عافيته، وفي الغالب كلما تزيد نسبة الطبقة الوسطى تقل العديد من السلبيات في المجتمع ومنها الجرائم والشعور بالإحباط وغيره من السلبيات. دراسة ميدانية وبينت دراسة تبنتها مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية، حللت الإنفاق الشهري على السلع والخدمات المختلفة التي تنفقها الأسر، ودراسة تأثير هذه المتغيرات عليها، وكذلك تحديد المشاكل التي تواجه الأسر فيما يتعلق بالإنفاق والادخار والاستثمار، وقد تم تطبيق الدراسة الميدانية على عينة قوامها 3500 مفردة، بواقع 1200 مفردة في منطقة مكةالمكرمة، و1200 في منطقة الرياض، 1100 مفردة في المنطقة الشرقية، وقد تم الحصول على البيانات الأولية من خلال المقابلات الشخصية لأفراد العينات لضمان أكبر قدر من الثقة والمصداقية، وأوضحت الدراسة أن أهم المشاكل التي تعاني منها الأسر السعودية فيما يتعلق بالإنفاق هي ارتفاع الأسعار، وعدم القدرة على ضغط المصروفات، يليها ارتفاع قيمة فواتير الخدمات العامة (الهاتف والكهرباء) ثم انتشار السلع المقلدة. وفي ما يتعلق بمشاكل الأسر أيضاً في الادخار، أكدت الدراسة أن من بينها قلة المدخرات، وتزايد المصروفات الشهرية وعدم كفاية الدخل الشهري ومحدوديته. وعن مشاكلهم في الاستثمار أوضحت الدراسة أن منها: قلة المدخرات ومحدوديتها وغياب الضمان، إلى جانب ضعف الثقة، مع ارتفاع نسبة المخاطرة، وعدم وجود مجالات استثمارية لرؤوس الأموال الصغيرة. وأوصت الدراسة بأن تقوم البنوك بإنشاء صناديق تطوير أو استثمار لخدمة المستثمرين من جهة، والشباب الراغبين في التملك والسكن من جهة أخرى، كذلك أوصت الدراسة بتقديم آليات مقترحة لتنمية مدخرات الأسر السعودية وأخرى لترشيد القرارات الشرائية. ارتفاع التكاليف أدى بالبعض إلى إيقاف بناء منازلهم واستمرار معاناتهم مع الإيجارات