مرت سنوات متلاحقة من الأزمة الاقتصادية ومازال الصمت مطبقاً والتحرك بطيئاً لحلها، فالمؤسسات المعنية لم تبادر بالشكل الحقيقي لفض الحروب المعيشية المتمثلة في الغلاء الذي أصبح يؤثر على المواطن ويركله في طور التحولات السريعة غير الإيجابية.. فمن يحميه؟، إلا أن البعض من المهتمين والمستشارين في النواحي الاقتصادية وجدوا بأن هناك حقائق علمية دقيقة أثبتت ذلك التحول الرهيب في دخل المواطن الذي بدأ يتناقص، أو ربما يثبت، في حين يوجد تضخم كبير في متطلبات الحياة المعيشة التي أصبحت تنهبه نهباً، فيجد نفسه في عجلة الدهس على مصادرة الكثير من احتياجاته وربما حقوقه، فوضع البعض منهم بعض الحلول والتحليلات لما يمكن أن يكون سبيلاً للتخفيف من حدة هذه الأزمة، منذرين ومحذرين ومطالبين بضرورة إعادة الحسابات والحلول لفض مايحدث من استغلال لجيوب المواطنين التي أصبحت مثقوبة، فهل من الممكن أن تصل هذه المقترحات إلى أبواب الجهات المعنية حتى تصل إلى التدخل السريع والحقيقي والجاد؟، هذا هو السؤال الأكبر الذي تختتم به حلقات هذا الملف وتترك الإجابة للقرارات المقبلة!. الدخل الحقيقي للمواطن يقول المستشار والمتخصص في الاقتصاد الكلي والنقدي والمالي "د.صالح بن علي السلطان" إن الدخل الحقيقي للطبقة المتوسطة قد انخفض، والدخل الحقيقي بلغة مبسطة يعني الدخل الاسمي مطروحاً منه تأثير التضخم. مثال: لو افترضنا أن زيداً من الناس قد زاد دخله 10%، وفي الوقت نفسه كان معدل التضخم 15%، فإن دخله الحقيقي (أو قدرته الشرائية) قد انخفض بما يقارب 5% ، مشيراً إلى أن حصول موجة تضخم قوية خلال السنوات 2005 _ 2008 م، ولكن دخول غالبية الناس لم ترتفع بمعدلات تساوي أو تزيد عن معدلات التضخم، ولا توجد إحصاءات رسمية عن التغير في الدخول، لكن هناك مؤشرات مساعدة تدل على انخفاض الدخل الحقيقي. فمثلاً انخفض الناتج المحلي الإجمالي في عام 2009 مقارنة بعام 2008، والتي تتمثل أولاً: الناتج المحلي الإجمالي، حيث تشير التقديرات الأولية إلى أن الناتج المحلي الإجمالي في عام 2009م قد شهد انخفاضاً في قيمته بالأسعار الجارية مقارنة بما كان عليه في العام السابق، حيث انخفضت قيمته إلى (1409124) مليون ريال وبنسبة انخفاض (11، 21%) مقارنة بقيمته في عام 2008 م البالغة ( 1786143) مليون ريال، أما بالأسعار الثابتة (1999= 100)، فقد بلغت قيمة الناتج المحلي الإجمالي في عام 2009 م (841184) مليون ريال، فيما بلغت في عام 2008 م (836133) مليون ريال محققة بذلك نموا بلغت نسبته (60، 0%) مقارنة فيما كان عليه في العام السابق. بالمقابل استمر التضخم، بعد توقف نسبي خلال الأزمة المالية أواخر 2008 ومطلع 2009، فقد كان معدل التضخم بين منتصف 2009 ومنتصف 2010 قرابة 6%، وخلال المدة من 2004 وإلى يوليو 2010 بلغت نسبة التضخم الرسمية نحو 30%، وفي مجموعة السكن والعقار نحو 70%، لكن دخول المواطنين لم ترتفع بهذه النسبة. اعتراف صريح وأضاف د.السلطان: أن تقارير مؤسسة النقد السنوية الأخيرة (مثلاً التقرير الخامس والأربعون 2009) تشير إلى أن متوسط الأجور الشهري للعاملين في القطاع الخاص في كل سنة من السنوات الثلاث الأخيرة جامد ويدور حول 1350 ريالاً، وهذا معدل منخفض بوضوح، وأكبر سبب في انخفاضه وجود الملايين من اليد العاملة الرخيصة وغير المدربة، حيث يتسبب وجودها بهذه الكثرة في خفض مستوى الأجور في المملكة، بما في ذلك مستوى أجور المواطنين بطبيعة الحال، إلا أنه يمكن الجزم بأن أكبر مشكلة تواجه الطبقة المتوسطة مشكلة السكن، حيث تضخم أسعار العقارات والإيجارات هو أكبر أسباب تدهور القدرة الشرائية لدى أكثرية الناس، لذلك فإن الرؤية والفلسفة الاقتصادية المناسبة التي يمكنها عبر عمليات إجرائية وآليات تنفيذية إنقاذ الطبقة من الانهيار تكمن في العمل على تبني سياسات تسهم في خفض تكلفة الإسكان على المواطنين، حيث إن صندوق التنمية العقارية يحتل الركن الأساسي في أي سياسة لتمويل الإسكان وتقديم قروض ميسرة للمواطنين، فإنني أرى أن حل المشكلة يبدأ (ولكن لا ينتهي عند) بالعمل الجاد على حل مشكلات تناقص رأس مال صندوق التنمية العقارية، وتوسيع وتطوير عمل الصندوق، فهناك فجوة كبيرة بين عدد من يقرضهم الصندوق فعلاً، وعدد الذين تقدموا إلى الصندوق وتمت الموافقة على إقراضهم ولكن لم يقرضوا بعد، بل عليهم الانتظار سنوات طويلة بسبب عدم توفر الأموال. نعيمة: الراتب وحده غير كافٍ.. وتسجيل الأسر في الجمعيات الخيرية يتزايد! الصندوق العقاري وأشار د.السلطان إلى مقترحات لمعالجة وإصلاح القدرة المالية لصندوق التنمية العقارية، وهي عبارة عن أربعة خيارات لتغذية رأس مال الصندوق المتناقص، وهي: الخيار الأول: تخصيص واعتماد مليارات الريالات في الميزانية للصندوق سنوياً. ولكن من الصعب جداً الأخذ بهذا الخيار باستمرار بدون وجود فائض في الميزانية بصورة مستمرة، ولكن احتمال وقوع هذا بعيد. الخيار الثاني: زيادة رأس مال الصندوق زيادة كبرى، حيث اقترح مجلس الشورى قبل نحو عام زيادة رأس مال الصندوق إلى 200 مليار ريال، ولكن نجاح هذا الاقتراح يتطلب سياسات تحصيل قوية جداً، كما ينبغي أيضاً استثمار جزء صغير من رأس مال الصندوق، واستغلال عوائده بغرض التعويض عن الأقساط المتخلف عن سدادها، حتى مع قوة سياسات التحصيل، أما بقاء سياسات تحصيل القروض كما هي الآن فيعني أن الزيادة في رأس مال الصندوق ستتلاشى مع الوقت ومن ثم ستتكرر مشكلة قوائم الانتظار مرة أخرى بعد سنوات. الخيار الثالث: تخصيص نسبة من عوائد صندوق الاستثمارات العامة. الخيار الرابع: إنشاء صندوق استثماري أو وقفي للإسكان لاستغلال عوائده. الوعي الاستهلاكي وقال بالإضافة إلى معالجة أوضاع الصندوق، ينبغي على جهات كثيرة التعاون لنشر المزيد من الوعي في تصرفاتنا الاستهلاكية ذلك الوعي لابد أن يتمثل في: - أولاً: البعد عن المبالغة في الإنفاق لأنه دمار، والله لا يحب المسرفين ولا المبذرين، وأمرنا بالاعتدال في المأكل والمشرب، والسؤال كيف تعرف أنك تبالغ في الإنفاق؟، إحدى الطرق أن تبحث في حجراتك وخزائن ملابسك. كم من الأشياء التي لم تستخدمها على مدى عام؟، ما الأشياء التي لم تستخدمها على مدى سنوات؟، بل على مدى عام واحد؟، أخرج ما في مستودعك ودواليب بيتك من أثاث وأدوات وملابس وألعاب وكل غرض اشتريته ولم تستعمله على مدى عام أو أكثر من عام، فوجود هذه الأشياء علامة على أنك تبالغ في الإنفاق، ويعني أنك تشتري ما لا تحتاج إليه، ولذا حاول التخلص من هذه العادة، وعود نفسك على القناعة، وراقب أكياس الزبالة، وكم فيها من أشياء ما كان ينبغي لها أن ترمى؟، هذه أموال مهدرة. د.السلطان: دعم الصندوق العقاري يحل نصف المشكلة.. والباقي على المواطن - ثانياً: الدفع نقداً وليس بالدين. - ثالثاً: البعد عن المقارنة للمجاراة، فعلى سبيل المثال تناقش أحد المتحدثين في برنامج عن غلاء أسعار الأراضي، فقال المتحدث للمتصل بالبرنامج، لماذا تصر على البحث عن أرض سكنية في حي بلغ سعر المتر السكني فيه 1500 ريال طالما أنك لا تستطيع تحمل هذا السعر، وهناك أحياء في الرياض تتوفر فيها كل الخدمات والمرافق بسعر لا يتجاوز 700 ريال للمتر المربع الواحد، لذلك على الفرد أن يغتنم الفرص حين يتسوق ويقارن بين أسعار السلعة لدى عدة متاجر. احجز مبكرا لتحصل على أسعار أفضل. باختصار، لابد من التعود على الدفع النقدي والجدية في التوفير. - رابعاً: البطاقات الائتمانية تصبح نقمة إذا أسيء استخدامها، حيث توسع الناس في استخدام البطاقات الائتمانية نتيجة الولع بالمظاهر، وزيادة الالتزامات والتوسع في الاستهلاك مع مرور الوقت، دون أن يصاحب ذلك ارتفاع مكافئ في الدخل لفئات كثيرة من المجتمع. وأساء الأفراد التقدير عند الحصول على البطاقة بما ستؤول إليه الأوضاع، وسوء تقدير ارتفاع الربحية والعوائد. فالتغيرات غير المخططة في ظروف الشخص كالمرض والالتزامات الفجائية (ما أكثرها في مجتمعنا) وفقدان مصدر دخل، كما أن التغيرات المفاجئة كثيراً ما تؤدي إلى سوء إدارة المال، حيث تقرر رسمياً إنشاء وكالة لحماية المستهلك (أو نحو ذلك) ضمن تنظيمات وزارة التجارة، فأرى أن على هذه الوكالة أن توظف مختصين لتوعية الناس في كيفية إدارة شؤونهم المالية، وضبط ميزانياتهم، وكيفية سداد ديونهم بأقل تكلفة ممكنة، كذلك توعية الناس بمالهم وعليهم تجاه البطاقات، ومهارة التفاوض لخفض الالتزامات. مثل هذه الخدمات متاحة بكثرة في الغرب، ويمكن الاستفادة من خبراتهم وتجاربهم. - خامساً: الولع باستخدام البطاقات الائتمانية أكبر مشكلة تكمن في الإفراط في استعمالها. البطاقة تساهم في زيادة ولع الناس بالشراء، وتحميلهم ديونا عالية ومكلفة، وهذه بالمناسبة ظاهرة عالمية، خاصة في الدول ذات الدخل المرتفع كالدول الغربية ودول الخليج، كما تتسبب في اختلال الميزان التجاري لدول (بصورة مبسطة زيادة الاستهلاك تعني زيادة الاستيراد، وإذا لم يقابله زيادة في التصدير ينشأ عجز الميزان التجاري). - سادساً: لابد من إعادة جدولة الديون إذا كانت الأقساط الشهرية تزيد نسبتها على المقرر نظاماً. - سابعاً: ينبغي إعادة بناء الجهة المسؤولة عن حماية المستهلك في وزارة التجارة لتكون هيئة مستقلة بذاتها، فوزارة التجارة بحسب طبيعة عملها مسؤولة عن التجارة والتجار، ومن الواضح أن هذه المسؤولية تستلزم بالضرورة وجود تعارض مع مسؤولية حماية وتوعية المستهلك المكلفة بها وزارة التجارة أيضاً، وبناءً على نقطة الضعف السابقة، اهتمت الدول الأكثر تقدماً إدارياً واقتصادياً بتأسيس منظمات لحماية وتوعية المستهلك خارج إطار السلطات المسؤولة عن قوانين وتنظيم وترخيص الأنشطة التجارية فهذه قضية أساسية. الراتب لا يكفي! وأكدت "نعيمة الزامل" رئيسة جمعية ود الخيرية على أن الأزمة الاقتصادية العالمية أظهرت تأثيراً بالغاً على غلاء المنازل التي يعاني منها المواطن بشكل كبير، فارتفعت الإيجارات بشكل لايمكن مجاراته حتى وجدت الجمعيات الخيرية نفسها غير قادرة على تقديم الكثير، فحتى إن تولت دفع نصف الإيجار فإن النصف الآخر يبقى مرتفع ليتحمل تكلفته المستأجر، خاصة على الطبقة الفقيرة وربما على بعض من كانوا يعتبرون من الطبقة المتوسطة، فحينما يكون رب الأسرة راتبه الشهري 4000 آلاف ريال ماذا سيغطي ذلك الراتب؟، إيجار الشقة أو الكهرباء أو قيمة الماء أو تكاليف التعليم، وربما كان عدد أبنائه سبعه ويعول أخواته وأمه فتلك الضغوطات كبيرة، فالغلاء أصبح موجوداً ولايمكن مجاراته، فالجمعيات حينما ترغب في مساعدة المحتاج تجد صعوبة فهناك منازل تحتاج لترميمها نظراً لتآكلها بسبب مر السنوات، فوجدنا بأن مواد البناء ارتفعت بشكل مخيف، مما تسبب صعوبة في المبادرة، مشيرة إلى أن تلك الأزمة أثرت على معدل التبرعات التي كانت تقدم من المتبرعين والقائمة عليها الجمعيات بشكل ملحوظ، فالغلاء ضغط على الجميع، إلا أن المبادرة في فعل الخير مازالت موجودة فالأثرياء يشعرون بمعاناة الطبقة المتوسطة والفقيرة وإن لم يستمر كما كان في السابق، فالطبقة المحتاجة أصبحت كبيرة وازدادت فرب الأسرة في ظل هذا التضخم الكبير والذي يتقاضى راتباً شهرياً يصل إلى 6000 ريال أصبح يحتاج للمساعدة، إلا أن الجمعيات لاتستطيع مجارات التزايد في عدد الأسرة الفقيرة، فتقف عند الرواتب المتدنية مع علمها بأن من كان يعتبر نفسه في عداد الطبقة المتوسطة أصبح يحتاج للمساعدة، وربما ذلك مادفع الجمعية إلى السعي خلف مبدأ تأهيل أفراد الأسرة جميعا للعمل والانخراط في أعمال الحرف اليدوية وإقامة الأفكار التي يحصلون على المال من خلالها فللأسف الأجنبي يستطيع العيش في المملكة؛ بسبب رغبتهم في بحث الفرص فيما لوحظ بأن الشعب السعودي لايستطيع بسبب عدم رغبته في الانخراط في الحرف اليدوية على الرغم من وجود المرأة الماهرة في ذلك النوع من الأشغال فلابد من تغيير النظرة لهذا النوع من العمل، خاصة في ظل النمط المعيشي المتغير الذي أصبح يدفعنا للصرف على المناسبات الشخصية كالمواليد والأفراح وغيرها، فلابد من استغلال ذلك الاستهلاك بشكل جيد لذلك فإن الجمعية تعاني من عدم مبادرة المحتاج إلى الجمعية لدخول في تلك الحرف، مؤكدة أن نسبة الأسر التي دخلت في طور الفقر والتي تعتبر من الطبقة الفقيرة في تزايد مستمر، حيث وصلت مثلاً في مدينة الخبر أكثر من 400 أسرة بحاجة للدعم.