أكد مختصون في الاستشارات الأسرية أن الوقت قد حان لإيقاف هدر الأموال الباهظة التي تصرف على الكماليات التي أصبح يتساوى فيها الغني والفقير على حد سواء في هذا الوقت، مطالبين بترشيد الاستهلاك للمصروفات والنفقات الأسرية بعمومها وتصحيح طريقة التعامل مع المال والتخلص من كثير من مظاهر الترف والبذخ، مشيرين بأن الظروف تغيرت ويجب أن يصاحب ذلك وعي شامل بما يجب ان تتبعه الأسرة في طريقة عيشها وتعاملها مع متطلباتها الحياتية التي يجب ان يعتمد عند توفيرها على ماهية أهميتها الحقيقية والاحتياج لها من عدمه. موازنة المصروفات ويقول أحمد النجار - مستشار نفسي واجتماعي -: إنه من المفترض أن يُحافظ العاقل على نعم الله ويحترمها ويحرص على شكر الله عليها من خلال ترك التبذير والابتعاد عن الإسراف في كل أحواله وأوضاعه، فلقد نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن الإسراف في ماء الوضوء - مثلاً - ولو كان الإنسان على نهرٍ جارٍ ولا ينتظر ظرفاً طارئاً أو وضعاً متأزماً لكي يبدأ في كل ذلك، مضيفاً ولكن الحاجة إلى تصحيح طرق تعاملنا مع المال والتخلص من مظاهر الترف والبذخ في ظل أوضاع اقتصادية صعبة قليلاً يغدو حاجةً ماسة ومطلباً مُلحاً وخياراً لابُدَ منه، موضحاً بأن أول خطوة في فعل ذلك التصحيح هو أن نُربي داخلنا وداخل أولادنا أهمية النعم ونستشعر قيمتها وما فائدتها وما يمكن أن نصنعه بها عندما نتعامل معها بترشيد وإيجابية، داعياً الى أن تتحرك المؤسسات الدينية والتعليمية والإعلامية بهذا الصدد عبر طرح الكثير من البرامج التوعوية حول هذا الموضوع وأن يبدأ المرء بنفسه وبيته وأطفاله عبر ترشيد الاستهلاك والتسوق بذكاء وإعداد الميزانيات الحكيمة. واضاف كذلك فيما يتعلق بالطريقة المناسبة لكي تعيد الأسرة التوازن في مصروفاتها ونفقاتها في ظل ارتفاع المعيشة وقلة الدخل، إن الأسرة لوحدها لن تستطيع فعل الكثير ما لم تتدخل الدولة لتحقيق ثلاثة مطالب أساسية للوطن والمواطن: تفعيل الجهات الرقابية لمنع الغش والاحتكار ورفع الأسعار والعبث الذي يمارسه بعض التجار والذي يضر بكل توازن قد يعتمده الفرد في حياته المادية، التحرك الفاعل للقضاء على الفساد من جذوره فالفساد ينهك ميزانية المواطن عبر مشاريع غير مكتملة وأبسط مثال على ذلك وجود حفرة في الطريق بسبب فساد الجهة المسؤولة وتسترها على مقاول أكثر فساداً قد تُسبب تلفاً في إطار سيارةٍ ما فتهز ميزانية الفرد وتعبث بخطته الاقتصادية، رفع مستوى الخدمات الحكومية كالصحة والتعليم فجزء كبير من دخل الفرد يُنفقه في المستشفيات الخاصة التي قد تُتاجر بالألم وذلك لما تعانيه المستشفيات الحكومية من كثرة الضغط عليها، وقس على ذلك التعليم وغير ذلك. واكد النجار ان على الأسرة أن تتبع سياستين الأولى "الانفاق الذكي" وذلك عبر كتابة الايرادات وتحديد المصروفات وتسجيل كل ريال يتم إنفاقه في تاريخه وفي ماذا أُنفِقَ ولو لمدة شهر كاملٍ على الأٌقل لمعرفة أين الخلل؟ ثم الاستغناء عن كل ما يمكن الاستغناء عنه ووضع بدائل أرخص ثمناً لكثير من السلع والخدمات مع المحافظة على الجودة قدر المستطاع، أما السياسة الثانية فهي البدء في محاولات تنويع مصادر الدخل. إدارة ميزانية الأسرة ويرى أحمد السعدي – مستشار أسري – أن كثيراً من الأسر يغيب عنها الترشيد وتنقصهم الإدارة في الصرف ويغلب عليهم البذخ والتبذير، لافتاً إلى أن الترشيد في الاستهلاك مطلب ضروريّ لكل الأسر ويجب أن يُربّى الأبناء على ذلك لأن متطلبات الحياة كثيرة ولا تنتهي، وبعض الأسر تتصرف بالمال وكأنه لم يأت إلا لتصرفه كاملاً دون النظر لما قد يحمله المستقبل ولذلك تجدهم لا يضعون سقفاً لمصروفاتهم، وبناء على ذلك فإن عشوائية الصرف تخلي ما في أيديهم من مال، ليلجأوا بعد ذلك إلى الديون والأقساط التي غرق فيها الكثير من الناس حتى أصبح كل شيء في حياتهم بالتقسيط. وأشار الى أن إدارة ميزانية المنزل لا يُشترط أن تكون بيد الرجل أو المرأة لأنهما مكملان لبعضهما بقدر ما يحتاج كلاهما لتفهم هذه الميزانية ولا بد أن يكون هناك إدارة للصرف والترشيد؛ لأن الترشيد أمر ضروري وخصوصاً في وقتنا هذا وذلك للارتفاع الملحوظ في بعض الأشياء المهمة من ناحية القيمة ويحاول رب الأسرة تنويع الدخل، وعدم الاقتصار على المرتب الشهري، ومحاولة العيش بالدخل الإضافي ويحاول أن يضع دخلاً ثابتاً بحيث يكون هذا الدخل خاصاً بالأزمات. والمح الى اهمية دور الأم مشيراً بأنه ضروريّ في توعية وترشيد الأبناء داخل المنزل، وعليها تحديد الأولويّات فهناك ما يجب شراؤه وهناك ما يمكن الاستغناء عنه وهناك أيضاً ما لا حاجة إليه البتة، مضيفا أن السلوك الاستهلاكي للأسرة له دور بارز في تحديد هذه الميزانية إذ إن بعض الأسر يكون سلوكها قائماً على التبذير وإلزامية الحصول على أيّ مطلب من أي فرد من أفرادها وإذا تناسب هذا السلوك عكسياً مع مستوى الدخل فإن الأسرة في هذه الحالة سوف تواجه عدداً من الأزمات المادية والمعنوية، لافتاً الى ان مشاركة الطفل للعائلة في كيفية الصرف على بعض الأشياء ولو كانت بسيطة تدربّه على تحقيق واكتساب حسن إدارة صرف ميزانيته ومن هنا يتضح أن للأسرة وتعاونها دوراً قوياً في الترشيد والادخار فكلما ارتقى هذا الوعي كانت الأسرة أكبر قدرة على التصرف المالي المتوازن بين الاستهلاك والاستثمار لأموالها مهما بلغت مداخيلها قلت أو كثرت ليعلم أفراد الأسرة سياسة مالية متوازنة للاستفادة القصوى من مداخيلها الاقتصادية، ولينمي وعيها ويعزز الفكر الاقتصادي لدى أفرادها. جدوى الكماليات وأشار السعدي الى ان من المؤشرات على الاتجاهات الاستهلاكية المتوازنة والراشدة: ترشيد استهلاك الملابس والكماليات وخاصة النسائية، التي تستنزف مبالغ طائلة، دون وعي اللهم إلا نتيجة للمحاكاة والتقليد الأعمى، ودون حاجة ملحة، ولو أن المرأة تأملت ما في خزانة ملابسها لوجدت فيها الكثير من أنواع الملابس التي تفوق ما رأته في السوق، ومن المقترحات في ترشيد استهلاك الملابس: قيام المرأة بإضافة لمسات تجميلية على ملابسها القديمة كتطريزها أو تغيير في شكلها أو لونها، كما يحسن أن توازن بين مصروف الملابس وبين دخل الأسرة حتى لا يترتب إخلال بميزانية الأسرة واضطرارها إلى الاقتراض او التأثير السلبي على أوجه الصرف الأخرى ذات الأهمية القصوى، كالغذاء والدواء والعناية بأفراد الأسرة، مشيراً إلى أن خبراء الاقتصاد الأسري يوصون، بأن يتم تخطيط ميزانية الأسرة على أساس تقسيم مداخيل الأسرة إلى ثلاثة أقسام:- المصروفات، المدخرات الاحتياطية لمواجهة الطوارئ، الاستثمارات، موضحاً تأثير هذه المعادلة بظروف الأسرة واحتياجاتها وثقافتها ومستوى دخلها المالي، وإذا أمكن العمل بهذه المعادلة فإنه في صالح الأسرة والمجتمع. وفيما يتعلق بالاستهلاك المتوازن للكماليات قال السعدي: إن هذا من المؤشرات الأساسية على الاتجاهات الاستهلاكية العاقلة والراشدة، ذلك لأن الكماليات لا يمكن حصرها ولها سحر خاص يجتذب الناس، ولكن ذوي الفطنة من المستهلكين يستطيعون أن يفكروا في الجدوى من شراء الكماليات حسب مقتضيات الحاجة الضرورية، كذلك ترشيد استخدام الهاتف الثابت والجوال يدل على الوعي بأن الهاتف يستخدم للحاجة وهو مؤشر على الاتجاه الاستهلاكي السديد. الفرح الزائف وتؤكد هيفاء صفوق – مستشارة اجتماعية – أن مظاهر الترف والبذخ هي صور الأنا المخفية في الإنسان التي تبحث عن إشباع داخلي يعوض ما يفتقده، مضيفة أننا نلاحظ من فترة طويلة وليست قصيرة مظاهر الترف والإسراف غير المنطقي من إقامة حفلات الزواج الأسطورية والبذخ في المال والأكل والملبس والديكورات حتى الأسر المتوسطة الدخل وقعت في هذا التقليد المعيب والبعيد عن الوعي ومفهوم العيش في الحياة بصورة متوازنة، مشيرة أن الترف والإسراف في مجتمعنا لا ينحصر على طبقة معينة بل يمتد الى طبقات مجتمعية متدنية مادياً ونجدها تستعين بالقروض او السلف لكي تعيش هذا الإسراف سواء كان لسفر أو لغيره فكم أسر ارهقت نفسها بالقروض والاستدانة بمبالغ مالية كبيرة لكي تسافر او تظهر بمظهر ليس لها ومن ثم تعود الى حقيقة الواقع في سداد هذه الديون فتحرم نفسها من العيش براحة وهناء. وتابعت للأسف ايضا انتشرت ثقافة الفرح الزائف بعد طلاق او انفصال فأقام البعض الحفلات لذلك، وهذا خداع للنفس بأن تضيع وقتها في ردات فعل غير منطقية فعندما حدث الطلاق او الانفصال هذا شيء يحدث منذ القدم والحياة تسير بعدة اختيارات لكن لا تصل للتشفي او الانتقام او ردات الفعل غير المناسبة وتكبد الخسائر دون فائدة، مستدركة لكن لنفكر أعمق من ذلك ما الذي يجعل الأفراد يخوضون في هذه المظاهر الكاذبة او المبالغ فيها؟ ما لا يعرفه الأفراد أن خلف هذه التصرفات نقص ما في داخل ذواتهم، والبعض يبحث عن نفسه من خلال هذه المظاهر لكنه للأسف يتعب ويخسر ثم يعود للمربع الاول هو (الشعور في الغربة الداخلية) فما كان من مظاهر ماهي إلا غطاء لنفس يخبئ خلفها فجوة او ألم او مشاعر سلبية او شعور بالنقص او فقدان الهوية الشخصية للفرد والبعض يكون مجرد تابع وما يعمله قوم ما يقوم هو بتقليد هذا دون تفكير او ادراك مجرد تقليد اعمى لفراغ الفكر وفجوة العلم والمعرفة والوعي، لذا نطرح سؤالاً لكل من يقوم بذلك ماذا تريد أن تصل إليه من هذه المظاهر؟ وهل اشبع فيك راحة او سعادة دائمة؟ وبعد هذه المظاهر بجميع أنواعها ماذا أضافت لك؟ من هنا يبدأ الفرد يحرك قيمة العقل والتفكير الصحيح فيما يجب فعله وعمله لكن عليه أن يجاوب بصراحة وموضوعية. الكماليات الزائدة تستهلك الكثير من الراتب الحاجة تفرض تغيير السلوك الاستهلاكي لدى الأبناء وأفراد العائلة حسن إدارة رب الأسرة للمصروفات يجنبه الاستدانة نهاية الشهر أحمد النجار هيفاء صفوق أحمد السعدي