كان الرئيس الأميركي باراك اوباما حين عرض عليه مشروع قانون العدالة ضد رعاة الارهاب والمعروف اختصارا ب (جاستا) على درجة عالية من الحرص بألا يختتم عهديه في البيت البيضاوي بأكبر وصمة عار في سجله عبر تمرير ذلك القانون الذي سبق وأن اقره الكونغرس دون تمحيص او اعتبار للمخاطر التي ستترتب على قانون يتصادم مع مبادئ القانون الدولي والحصانة السيادية للدول ومصالح الولاياتالمتحدة الأميركية لذلك فقد استخدم حقه في تعطيل ذلك القانون بشكل متسق مع كل الدعوات العربية و الاسلامية والأوروبية التي حذرت من العواقب الوخيمة التي ستنطوي على اقرار قانون (جاستا) والذي يقفز كليا على ما استقرت عليه العلاقات الدولية وكذا مبادئ المساواة في سيادة الدول والأسس الناظمة للعلاقات القائمة بين الولاياتالمتحدة والدول العربية ومنها دول الخليج التي تربطها مصالح كثيرة مع واشنطن منذ اكثر من سبعة عقود. ولعل الرئيس اوباما قد ادرك قبل غيره وهو يقدم على تلك الخطوة ان المتضرر الاول من قانون العدالة ضد رعاة الارهاب ليس السعودية او الدول الخليجية وإنما الولاياتالمتحدة خصوصا اذا ما لجأت دول اخرى الى اصدار قوانين مماثلة تسمح لها بالملاحقات المدنية والجنائية ضد الاشخاص والشركات الأميركية والعاملين فيها في اطار التهم التي تتردد حيال التدخل الأميركي في العراق وأفغانستان وكذا اخطاء الطائرات (الدرامز) التي تقوم بملاحقة عناصر الجماعات الارهابية في عدة بلدان شرق اوسطية حيث إن الجميع سيجد في القانون الأميركي سابقة للتماثل من اجل جر واشنطن الى ذات (الحفرة) التي ارادتها لغيرها. مثل هذه الاحتمالات التي فاتت على المشرعين في الكونغرس وهم يصوتون على مشروع قانون العدالة ضد رعاة الارهاب كانت ربما كافية لتبرير الخطوة التي اقدم عليها اوباما ليس حبا في السعودية كما يعتقد البعض وإنما لحماية قطاع واسع من الأميركيين الذين ستتخطفهم رياح ذلك القانون الذي يؤسس لمسارات سيئة للغاية في العلاقات بين الدول بل ان اوباما هو من استشعر ايضا ان هذا القانون قد اختزل ظاهرة الارهاب والأخطار الناجمة عنها بحادثة الحادي عشر من سبتمبر 2001م وكذا بتعويضات اهالي من سقطوا في هذه الحادثة الاجرامية مع ان ما يحصل من تصاعد للأعمال الارهابية بعد الحادي عشر من سبتمبر قد طاول بشروره معظم دول العالم بما فيها الدول العربية وعلى وجه الخصوص المملكة العربية السعودية التي استهدفت بأكثر من مئة هجوم ارهابي وهو ما لا يجوز معه ان تظهر الولاياتالمتحدة وكأنها وحدها من تضرر بالارهاب في الوقت الذي يستدعي ان تكرس كل الجهود الدولية في مواجهة هذه الافة الخبيثة وتجفيف منابعها والقضاء على منابتها اينما وجدت ضمن آليات مشتركة تكون محل اتفاق وإجماع قطعي لا خلاف فيه. لم يكن متوقعا من الرئيس اوباما وهو الذي يستعد لمغادرة البيت الابيض منهيا فترتي رئاسته ان يقف الى جانب قانون (جاستا) وهو من لاحت له في عامه الاول من رئاسته جائزة (نوبل للسلام) التي فاز بها في العام 2009م كأول رئيس أميركي يحصل على هذه الجائزة بعد اشهر من توليه لهذا المنصب كتقدير لجهوده في تقوية الدبلوماسية الدولية والتعاون بين الشعوب لوعيه من ان تمرير ذلك القانون الذي ينتهك سيادة الدول الاخرى من شأنه ان ينتقص من استحقاقه لمثل تلك الجائزة. يمكن ان يقال إن (فيتو) الرئيس اوباما لتعطيل مشروع قانون العدالة ضد رعاة الارهاب قد يسقط هو الاخر بعد تصويت غالبية اعضاء الكونجرس مجددا على ذلك القانون مع هذا فان كل المؤشرات توحي الى ان الاعضاء الذين صوتوا على هذا القرار - الذي جاء بعد ان وقعوا تحت تأثير وضغط اهالي ضحايا حادثة الحادي عشر من سبتمبر- ستتبين لهم المثالب المترتبة على هذا القانون والذي يندرج ضمن الاجراءات الاحادية الجانب والتي لا تصب فى خدمة مصالح الشعب والأمن القومي الأميركي والعلاقات مع دول المنطقة ناهيك عن ان مبررات اصدار مثل هذا القانون قد سقطت وفقدت مصداقيتها بعد البيانات التي عرضها ولي العهد السعودي الامير محمد بن نايف امام الدورة ال 71 للجمعية العامة للأمم المتحدة عن جهود المملكة في محاربة الارهاب والتي شملت انشاء مركز للمشورة وإعادة التأهيل وإصدار كبار رجال الدين في المملكة فتوى تحرم الارهاب او الانضمام للمجموعات الارهابية. وفي كل حال فإن ماقام به الرئيس الأميركي من تعطيل لذلك القانون يستمد ايجابيته من معطى موضوعي ولابد وان المشرعين في الكونجرس قد استوعبوا من خلال ردود الفعل الدولية على قانون (جاستا الاضرار التي ستلحق بالمصالح الأميركية والعلاقات الدولية ).