من زاوية تاريخ التنمية الاقتصادية العالمية، ظلت التجارة الخارجية محركا قويا للنمو الاقتصادي العالمي خلال فترة الازدهار الاقتصادي العالمي، ثم تتقلص أثناء تراجع سرعة النمو الاقتصادي العالمي. سجلت التجارة الخارجية الصينية خلال ال 30 سنة الأولى من الإصلاح والإنفتاح، متوسط نمو ب 20% سنويا، وظلت إحدى المحركات الرئيسية لنمو الاقتصاد الصيني. لكن تراجع أسعار السلع الأساسية وانخفاص سرعة النمو الاقتصادي العالمي والآداء السيئ للتجارة الخارجية العالمية منذ عام 2012، أثر سلبيا على وضع التجارة الخارجية الصينية خلال السنوات الثلاث الأخيرة. لكن رغم تراجع مؤشرات التجارة الخارجية الصينية، نمت حصة الصادرات الصينية في السوق العالمية من 12.4% في سنة 2014، إلى 13.4% سنة 2015، وهو ما يعكس المكانة الجيدة التي تحتلها التجارة الخارجية الصينية في العالم. من جهة ثانية، ارتفع صرف العملة الصينية، اليوان، منذ إصلاحات 2005 إلى عام 2015، ب 40%، وتجاوزت قيمة الزيادة الحقيقية في سعر الصرف لليوان بأكثر من 50%. مايعني أن نمو التجارة الخارجية الصينية تحقق في ظل ارتفاع كبير لسعر الصرف. وساهم ارتفاع سعر الصرف في رفع أسعار السلع المسعرة باليوان، كما شهدت أسعار السلع الأساسية ارتفاعا مستمرا قبل عام 2012، وهي عوامل أدت إلى ارتفاع تكلفة اليد العاملة الصينية والأراضي والكلفة البيئية. لذا، فإن تحقيق التجارة الخارجية الصينية نتائج جيدة في ظل هذا الوضع، يعد مكسبا كبيرا. في ذات الوقت، تشهد بنية التجارة الخارجية الصينية تحسنا مستمرا، وترتفع تنافسيتها الدولية بشكل متواصل. مثلا، كانت صناعة المعالجات تحتل 55% من التجارة الخارجية الصينية خلال عام 2005، لكنها تراجعت إلى 35% في العام الماضي، وهذا مايعني صعوبة استمرار النمط التجاري القائم على اليد العاملة الرخيصة والأراضي. في المقابل، تشهد حصة التجارة عبر "الحزام والطريق" والسلع الابتكارية والعلامات الصينية المستقلة زيادة كبيرة. لذلك يمكن القول انه في ظل تراجع التجارة العالمية، تتخلص الصين في الوقت الحالي شيئا فشيئا من التوزيع العالمي القديم للعمل في التجارة الدولية، الشيء الذي ميّز التجارة الخارجية الصينية خلال ال 30 سنة الماضية، إذ تتجه التجارة الخارجية الصينية في الوقت الحالي إلى الابتكار والعلامات التجارية كميزتين رئيسيتين، والتحول نحو نمط تجاري جديد يعتمد على تصدير السلع من خلال تصدير رؤوس الأموال. لتحافظ التجارة الخارجية الصينية على نمو مستقر وصحي، على الصناعة الصينية أن تنتقل من الصناعة متدنية القيمة المضافة إلى الصناعة عالية القيمة المضافة، ومن رافعة عرق العمال إلى رافعة الابتكار. وهذا يحتاج إلى توفر فريق عمل عالي الكفاءة، وإداريين سامين يمتلكون رؤية دولية، وعدد كبير من الشركات القادرة على التأقلم مع الوضع الجديد، ومن ثم قيادة شركات التجارة الخارجية الصينية من "فريق غير منظم" إلى "قوات رسمية". إضافة إلى ذلك، يعد التعاون الدولي الشامل عاملا مهما، وقد طرحت الصين "ضرورة التوافق مع اتجاه اندماج الاقتصاد الصيني في الاقتصاد العالمي"، و"تطوير اقتصاد أكثر انفتاحا"، والعمل على بناء منطقة حرة للتجارة من خلال إستراتيجية الحزام والطريق والانفتاح بشكل شامل ودفع التنمية العالمية، وعدم ممارسة الاحتكار والحمائية مثلما تفعل بعض الدول الكبرى. تولي الصين أهمية كبيرة للعولمة التي تشمل جميع دول العالم، وفي الوقت الحالي تدعم المزيد من الدول الانفتاح الصيني متعدد الأطراف، الذي لا يستهدف مجموعة أو منطقة معينة، لأن العالم يعيش في قرية صغيرة مترابطة. * الأمين العام للجنة الأكاديمية التابعة للجنة التنمية الوطنية والإصلاح