قبل ثلاثة أشهر كتبتُ في صحيفة الرياض مقالا بعنوان: " التعليم: القطار الذكي لرؤية 2030" والتعليم ليس قطارًا ذكيَّا فحسب، بل هو قاطِرَةُ تجرّ وراءها عَرَباتِ شتّى تنطلِقُ نحو وجهتها المرسومة بدقَّة. وقد أكَّدتُ في مقالي السابق أنَّ التعليم هو ما ينعقدُ عليه الرِّهان في بناء مُستقبل الأمَّة، وجودة التعليم وجودة مؤسساته، ودقَّة تصميم مناهِجه وَفقِ أهداف الأمَّة ورؤيتها كَفيلٌ بتحقيق مخرج تعليمي جيد قوامُه ثروة بشريَّة مُبدعِةٍ ومبتكرةٍ نُعلِّق عليها الآمال. وهذا المُخرجُ التعليمي الواعِد ينبغي أن يجِدَ له مكانًا لائقًا في سوقِ العَمَل يسايرُ ما حصَّله من عِلْم، فيجد في بيئة عمله التطبيقَ الذي يصقل به معارفه، ويزيد من قدراته على البحث والإبداع، ولهذا، فينبغي ألا يكون التعليم بمنأى عن سوق العمل ومتطلباته، فالحلقات متشابِكَة، تبدأ من توفير تعليمٍ صديقٍ للحصول على عَملٍ صديقٍ، وحين تتوطَّد علاقات الصداقة بين تعليمنا وأعمالنا، فإننا سنتعلُّم بِحُبٍّ ومُتعَةٍ، ونعمَلُ بروحٍ وثَّابَةٍ لا تَكلُّ، ونبدعُ كثيرًا من الأفكار والتجارب التي تنطلق خارج الصندوق المعتاد والمألوف. وها هو موسمُ الدراسةِ على الأبواب؛ فالمدارسُ والجامعات تفتحُ أحضانها لاستقبال الطلاب لعام دراسي جديد، عامٍ ينبغي أن نُعلِيَ فيه من قيمة العلم في نفوس أبنائنا، وأنْ نتشارَكَ معهم رؤيَة المملكة 2030 لتكون حاضرة في أذهانهم في اختيار التخصصات والمجالات التي تفيد أمّتهم ومجتمعهم، وتدفع بعجلة الاقتصاد الوطني للأمام، وتسدّ الفجوة بين مخرجات التعليم ومتطلبات سوق العَمَل. وكم نحتاج إلى أن يتمتع التعليم في مجتمعنا بقدر كبير من المرونة التي تؤهِّل أبناءنا للانتقال بين المساقات المختلفة وفق قدراتهم وميولهم بصورة واعِيَة تستحضر حاضر الأمة وتستشرف مستقبلها وتطلعاتها المرسومة وفق تخطيطات وسياسات دقيقة. كم نأملُ أن تحتلّ جامعاتنا صدارة قائمة الجامعات الأفضل عالميًا، أن يكون طلابنا من بين الأفضل تحصيلا على المستوى الدولي، أن تكون مناهجنا من أفضل المناهج التعليمية في بناء المواهب وتطوير الشخصية، أن تتوافر فُرصُ العمل المتناغمة مع المسارات التعليمية المختلفة، وأن تكون المخرجات التعليمية كفيلة بتلبية احتياجات سوق العمل بقوة واقتدار. كثيرة هي الآمال التي نحملها، وكثيرة هي الأحلام التي نسعى لتحقيقها، وما يدفعنا للتفاؤل أن معظم آمالنا وأحلامنا قد تبلورت بوضوح في رؤية المملكة 2030، تلك الرؤية العلمية الواعية التي تدعونا بكل ثقةٍ أن نعلنَ للعالم أجمع أننا بالعلم والعملِ مستعدونَ لصناعة مستقبل هذا الوطنِ الواعِد.