علي بن إبراهيم بن صالح الحمّاد* إن الحديث عن شعيرة الحج وهي أحد الأركان العظيمة لهذا الدين القويم حيث قال الحق -جل وعلا- مخاطباً عباده (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا وَمَن كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) سورة آل عمران (97) وقال جلَ من قَائلِ، داعياً إليه ومُرغب (وَأَذِّن فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا وَعَلَىٰ كُلِّ ضَامِرٍ يَأْتِينَ مِن كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ) سورة الحج (27) فيأتي الحجيج من أقطار بعيدة، تلبية لدعوة ربهم، رجاء كرمه ومرضاته. قال ابن القيم قدس الله سره: ثم تأمل كيف افتتح إيجاب الحج بذكر محاسنِ البيت الحرام، وعظَّم شأنه بما يدعو النفوس إلى قصده وحجه فقال جل وعلا (إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا) سورة آل عمران (96) فوصفه بخمس صفات وهي أنه أسبق بيوتِ العالم وضعَاً في الأرض، والصفة الثانية أنه مبارك، والبركةُ كثرةُ الخيرِ ودوامه، وليس في بيوت العالم أكثر بركَة منه، ولا أكثرَ خيرًا ولا أدومَ ولا أنفعَ للخلائق، والصفة الثالثة أنه هدى للعالمين، والصفة الرابعة ما تضمنه من الآيات البينات، والصفة الخامسة الأمنُ لداخله، وفي وصفه بهذه الصفات ما يبعث النفوسَ على حجه، وإن شطت بالزائرين الديارُ، وتناءت بهم الأقطار. وهذا يدلك على الاعتناء منه سبحانه بهذا البيت العظيم، والتنويه بذكره والتعظيمِ لشأنه والرفعةِ من قدره، ولو لم يكن له شرفٌ إلا إضافتَه إياه إلى نفسه بقوله (طَهِّرَا بَيْتِيَ لِلطَّائِفِين) سورة البقرة (125) لكفى بهذه الإضافةِ فضلًا وشرفًا، وهذه الإضافةُ هي التي أقبلت بقلوب العالَمين إليه، وسَلَبَتْ نفوسَهم حبًّا له وشوقًا إلى رؤيته، فهو المثابةُ للمحبين، يثوبون إليه، كلما ازدادوا له زيارةً ازدادوا له حبًّا وإليه اشتياقًا . ولقد جاء في الكتاب والسنة الأمر بالحج والترغيب في أدائه ومتابعة هذا العمل الصالح، وبينت الأدلة آثارَه على أهله في الدنيا والآخرة، إبانةً تدفع النفوسَ المؤمنةَ إلى المسارعةِ والمبادرةِ في طلب ذلك الفضل العظيم فقد روى البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أيُّ الأعمال أفضل قال: إيمان بالله ورسوله، قيل: ثم ماذا قال: جهادٌ في سبيل الله قيل: ثم ماذا قال: حجّ مبرور. وقد سمعنا التصريحات المُستَفِزة ممن يدّعون الإسلام وهم أبعد ما يكونون عنه، رأينا تصريحات الحكومة الإيرانية العدائية تجاه مملكتنا الغالية، ودعوة أتباعهم إلى جعل هذه الشعيرة خراباً، بأفعالهم القذرة، وتصرفاتهم العبثية، ولا يمكن نسيان ما أحدثوه العام الماضي من عرقلة لطرقات الحجيج والتسبب بالكارثة الجسيمة، وكذلك ما فعلوه في حج عام 1407ه من خراب ودمار، راح ضحيتها الكثير من الحجاج والآمنين. ولكن ما يطمئن القلب هي خطوات قيادتنا الحكيمة والاستعداد المبكر لهذا الموسم العظيم، فتصريحات سمو ولي العهد الأمير محمد بن نايف بأننا على أهبة الاستعداد، وأن أمن الحجاج والقاصدين خط أحمر وسنحقق من الإجراءات والتدابير ما يحقق ذلك، ولا مجال لمحاولة تسييس شعيرة الحج والعبث بها. ومما يدعو للفخر وقوف الدول الإسلامية ومؤسساتها الشرعية، صفاً واحداَ مع قيادتنا وتصرفها تجاه الموقف الإيراني العدائي الذي هدفه واضح وهو التدخل في الشؤون الداخلية لبلدنا والبدء بمشروعهم القديم (تصدير الثورة)، ونقول لهم بأننا لكم بالمرصاد ومملكتنا لن تتراجع في تنظيم الحج وترتيبه، فمنذ قيام هذه الدولة المباركة وهي تقدم الغالي والنفيس لرعاية المشاعر المقدسة، وخدمة ضيوف الرحمن، وتنظيم وتيسير أمورهم، فنسأله سبحانه أن يحفظ الحجيج بحفظه ويردهم إلى ديارهم سالمين، كما نسأله سبحانه أن يوفق ولاة أمرنا لكل خير، وأن ينصر بهم الحق، إنه سميع قريب، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين. *رئيس كتابة العدل بالعيينة المساعد