وهذه هي الحلقة الثالثة التي أتحدث فيها عن أهمية تعليم الحجاج وربطهم بفضائل مكة.. علّموهم أن الله سبحانه وتعالى قد أمر أبانا إبراهيم بأن يؤذن وينادي في الناس أن يحجوا الى هذا البيت.. وأن أبانا إبراهيم عليه السلام سأل: «يارب ومن يبلغه صوتي» فجاء الجواب الإلهي: {عليك الأذان وعلينا البلاغ}. علّموهم أن من دخل مكة حاجًا.. أو معتمرًا طائفًا محرمًا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه كما أخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم. علّموهم أن المتابعة بين الحج والعمرة تنفي الذنوب. وتبعد الفقر.. وتزكي الأخلاق.. وتبعدها عن الكبر والغطرسة، كما ورد عنه صلى الله عليه وسلم: «تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما تنفيان الذنوب والفقر كما ينفي الكير خبث الحديد». ولا بد أن نعلّم الحجاج أن الأعداد الكبيرة التي أصبحت تتزاحم على الحج والعمرة اليوم تستوجب على كل من حجّ أو اعتمر أن يعطي الفرصة لأخ له او أخت لم يتمكّن من الحج ويؤثره على نفسه.. فبعد أن كنّا نفرح بأن عدد الحجيج قد بلغ خمسين ألفا او سبعين ألفا أصبحت أعدادهم اليوم بالملايين ممن يقصدون البيت الحرام لكي يؤدوا مناسك الحج والعمرة. ومن هنا فإنه رغم الفضل الكبير للمتابعة بين الحج والعمرة.. إلا أنّ ما استجدّ من أحداث يستوجب أن نتعاون كحجاج لإتاحة الفرصة للآخرين.. ويكفي أن يكون ذلك بأوقات متباعدة بين الطاعات. حذّروهم من أن السيئات تضاعف في الحرم كما تضاعف الحسنات، وتصبح أكثر إثمًا لأنها تقترف عند بيت الله المحرّم. إنها فضائل عظمى لا بد أن نتعلّمها ونعلّمها لهؤلاء الحجاج ليعرفوا أين هم.. وفي أي بلد عظيم هم.. وبجوار الكعبة المشرفة هم.. وفي عرصات كلها مشاهد ومواقع كريمة اختارها الله عز وجل وجعلها بجوار بيته العتيق.. فاللهم ألهمنا الأدب ووفقنا إلى أن نعلّم ضيوف الرحمن ونتعلّم منهم ومن علمائهم الأدب ففيهم العلماء والفقهاء والأولياء والصالحون.. فنحن نتعلّم منهم ولكن من واجبنا أن ننشر هذا الوعي بين عامة الحجاج وهذا من أول واجبات المطوفين والمرشدين.. وكذلك الوكلاء وخدّام المسجد الحرام.. ثم تكون المسؤولية على أولئك العلماء الذين يجلسون للحديث إلى الحجاج في المسجد الحرام والمشاعر المقدسة. ورحم الله أستاذنا السيد أمين كتبي العالم اللغوي والفقيه ابن بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم وابن مكة البار وعالمها، فقد كنّا معه وهو يترنّم بحبّ مكة.. وكان يعلّمنا فضائل مكة.. ويقف عند البيت العتيق ووسط البيت العتيق فيقول: «إنه معتوق من الجبّارين.. لا يقصده جبّار الاّ قصمه الله» وقال يوما يترنّم بأمن مكة وأمانها ومكانتها وفضلها: بلاد حباها الله أمنًا وكعبة يصلي إليها الناس فرضًا محتمًا وآياتها ما دام للناس قبلة بها بيّنات تنثر الأفق أنجما مقام خليل الله فيها محجّبًا ومشرب اسماعيل من بئر زمزما وفيها نزول الوحي أول سورة بها اقرأ ويا مدثر اصدع يُعْلَمَا وفيها مقامات وفيها مشاعر تبيّض هذا الكون فخرا مسلّما وضوعفت الأعمال فيها تفضّلا من الله ذي العرش الذي قد تكرما ولو عرف الانسان حرمة أرضها تأدب فيها وأستقام وعظّما وختاما: مرحبا بضيوف الرحمن.. يفدون إلى بلد الله الحرام.. ونسأل الله أن يتقبّل منهم.. ويكرمهم.. وأن يوفقنا لخدمتهم جميعنا.. ملكًا.. وحكومة.. وشعبًا.. وجزى الله خيرًا وزارة الحج على ما تقوم به من خدمة للحجيج وشؤون الحرمين.. والحمد لله أنهم يرون بأعينهم ما تقوم به هذه البلاد وعلى رأسها خادم الحرمين الشريفين الوالد الملك عبدالله الذي حرص منذ أن حمل اللواء على مواصلة البناء والتوسع وزيادة الخدمات لخدمة حجاج بيت الله.. بل كل قاصد لهذه البلدة الطيبة الطاهرة.. وشمل ذلك المسجد الحرام والمسجد النبوي الشريف.. بل وكذلك المسجد الأقصى.. وقد توالت همم من سبقوه وذلك من فضل الله عليهم وعلينا.. ونسأله عز وجل أن يتقبّل من الجميع ما سعوا فيه بنيّاتهم.. وأن يرد الحجاج إلى بلادهم آمنين غير خزايا ولا مفتونين..آمين يارب العالمين. والله من وراء القصد وهو الهادي الى سواء السبيل.