ساير الشمري* تشهد المملكة تغييرات هائلة على جميع الأصعدة مما سوف يتسبب باختلافات جذرية في طرق التعاطي مع العديد من الأمور لعل على رأسها صناعة الاستثمار. فعندما تحدث صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان لقناة العربية قبل عدة أشهر كان الانطباع العام الذي استشففته كما فعل العديد من الزملاء في مجال المال والأعمال هو الارتياح لتلك اللغة التي تحاكي تطلعات العاملين في قطاع الاستثمار. إن النظرة لتطور الأمم والدول بمنظور استثماري تختلف عن غيرها اختلافاً كبيراً، فالرغبات والرؤى لا بد أن تترجم بشكل أو بآخر لما يمكن الاتفاق عليه كأهداف ملموسة، ولا أعتقد أن هناك لغة تصف العالم حولنا بشكل واقعي مثل لغة الأرقام التي نكتب بها أهدافنا الاستثمارية ونسب المخاطرة وعوائد الاستثمار خلال الفترات الاستثمارية وما إلى ذلك. ولربما كان ذلك أهم ما يميز الخطاب التنموي الجديد الذي نجده في رؤية 2030. عالمياً تعد زمالة معهد ال CFA (محلل مالي معتمد) المعيار الذهبي في مجال الاستثمار حيث إنها لا تعنى بقدرات التحليل المالي فحسب، بل تتعدى ذلك لترسي معايير مهنية صارمة للالتزام الأخلاقي أمام العملاء والقانون وأصحاب الأعمال. ولعل صناعة الاستثمار في حد ذاتها قديمة كقدم الحضارة البشرية ذاتها، فالمزارع لا يقوم بعمله إلا ليحصد ثمار ما كرسه من وقته وجهده. وذلك لا يستغرب إذا نظرنا لجذر كلمة استثمار وهي "ثمر". وعلى غرار العديد من المهن، تعد مهنة الاستثمار أحد أكثر المهن شغفاً للعاملين بها. ولكن وللأسف الشديد أن هذة المهنة وعلى مر العصور غالباً ما يتم اختطافها من قبل من يسعون خلف مصالحهم الشخصية أو ممن لا يملكون أدنى مقومات المنطق المالي دون أي اعتبار لمصالح المستثمرين أو مصالح المجتمع ككل. وتأتي هنا قيمة الزمالة لمعهد CFA حيث يخضع المرشح الحاصل على شهادة جامعية للحصول على الزمالة لثلاثة اختبارات مضنية على مدى ثلاث سنوات على الأقل، يتطلب الإعداد لكل منها أشهراً عديدة ليتم إختباره على مدى ست ساعات في كل مستوى. إضافة إلى الحاجة إلى العمل في مجال الاستثمار لفترة لا تقل عن أربع سنوات والحصول على تزكيات من قبل الحاصلين على الزمالة وغيرهم.. ويجبر الحاصل على الزمالة على الاستمرار في التحصيل العلمي خلال سنوات زمالته والاستمرار بتقديم الإقرارات الخاصة بتضارب المصالح إن وجدت وإلا سقطت عنه الزمالة. وما حالات التلاعب بأموال المسثمرين عنا ببعيد فبين كل فترة وأخرى لا بد أن نسمع عن شركات توظيف أموال أو تلاعب محاسبي أو تحليل خاطئ يقود في نهاية المطاف إلى خسارة حقيقية لأموال المستثمرين أفراداً كانوا أم مؤسسات. لذلك يقف صرح مثل معهد ال CFA كسلطة غير ربحية تضع أسمى أهدافها نزاهة الأسواق المالية وحقوق المساهمين لتقرن ذلك بسلسلة متعمقة من الدراسات العملية التي تشمل معايير السلوك المهني، والأساليب الكمية، والاقتصاد، والتحليل المالي، وتمويل الشركات، والاستثمار في الأسهم، والاستثمار في أدوات الدخل الثابت، والمشتقات المالية، والاستثمارات البديلة، إضافة إلى إدارة المحافظ والثروات. إن الفترة المقبلة سوف تشهد تحديات لا يمكن مواجهتها بحلول الأمس، ولا بد أن ترتقي القدرات التحليلية المالية لدينا لما لا يقل عن نظيرها في دول العالم المتقدم. وبهذا الصدد تعمل المجموعة المختصة من الحاصلين على الزمالة في المملكة بكل جهد كي توسع قاعدة الحاصلين على التأهيل الكافي من العاملين في هذا القطاع لاسيما المواطنين والمواطنات منهم. ويتجلى ذلك في مساندة الساعين لدخول اختبارات ال CFA للحصول على ما يحتاجونه من تأهيل لتخطي الاختبارات والحصول على الزمالة. كما تقوم المجموعة بتنظيم العديد من اللقاءات للعاملين في القطاع بهدف التعارف واستعراض مستجدات القطاع الاستثماري بشكل دوري. وتجدر الإشادة هنا بما تقدمه مجموعات سعودية عديدة لدعم مبادرات معهد ال CFA مما يسهم بشكل مباشر في دعم القطاع الاستثماري للصالح العام. *رئيس جمعية CFA السعودية