بات تصوير رحلات السفر وزيارة الأماكن السياحية من أكثر الاتجاهات السائدة في برامج التواصل الاجتماعي وتحديداً في تطبيق «السناب شات» الذي تحول إلى بث مباشر على مدار اليوم إذ ينقل لنا «السنابيون» كامل تحركاتهم ووجهاتهم وقصص تحكي زيارتهم للفنادق والمطاعم والمواقع الترفيهية المشهورة، وهذا الطرح اللحظي واليومي المتكرر أوجد تخمة في صور ومقاطع الفيديو للأسفار والرحلات لم يقدم كثير منها أي قيمة جمالية، بقدر ما كانت استعراض ومباهاة، فما هي دوافع هذا الهوس وما الذي كشفته كثير من تلك «السنابات» التي تم تصويرها ونشرها خلال إجازة الصيف؟. هوس التصوير في البداية قال ماجد المرزوقي: من بين مئات الصور والمقاطع التي تابعتها خلال الفترة الماضية لكثير من المسافرين تساءلت عن سر هوس التصوير وطرح كل تفاصيلهم اليومية بعشوائية وترف باذخ يستفز في أحيان كثيرة مشاعر المتابعين لمثل تلك الحسابات، فضلاً على أنها لا تضيف للمتابع شيئاً، مشيراً إلى أن البعض من المسافرين أفرغ نفسه تماماً لتلك المهمة وكأنه رحاله أو مراسل صحفي، حتى أنه ينتقل من مكان إلى مكان آخر لمجرد تغطية وتصوير كل المدن دون أن يستقر بها ويتمتع بجمال طبيعتها وزيارة معالمها، مضيفاً أن هناك بعض السنابيين ساهموا في تغيير مفهوم السفر وتغيير وجهتنا السياحية لبعض المناطق لبراعتهم في نقل الصورة الجميلة التي لا يوجد بها تكلف، وتقديم المعلومات الكافية والمشوقة لزيارة تلك المواقع، والبعض الآخر لم نجد من وراء متابعته أي فائدة تذكر فضلاً عن تساهلهم في كشف خصوصياتهم. تباهي وتفاخر ورأت مشاعل الفاضلي أن نشر صور ومقاطع السفر عن طريق السناب شات يبرز لنا حالة التباهي والتفاخر بالقدرة المالية للسائحين أكثر من تعريفهم بالمناطق السياحية، وقالت: أنا لست ضد ارسال عدد من الصور والمقاطع لمشاركة الآخرين تفاصيل سفرتنا، ولكن دون أن يكون التقاط الصور هو شغلي الشاغل وأخسر بذلك متعة السفر وفوائده، مضيفةً أن كثير من أفراد العائلة انشغلوا بتصوير السنابات على حساب توثيق تلك اللحظات الجميلة والاحتفاظ بها في ألبوم العائلة، فكل فرد من العائلة مهتم بمتابعيه وماذا سيقدم لهم من مواد، وكل ذلك الانشغال يسرق منهم أجمل وأثمن الأوقات الممتعة. هدف محدد وشدّد عمر الرشود –مستثمر في قطاع السياحة والسفر- على أهمية أن يكون أمام كل مستخدم لوسائل التواصل الاجتماعي هدف محدد من وجوده في تلك المواقع؛ لأنه حين يتابع مشاهير السنابات أو غيرهم لمجرد المتابعة يخرج من متعة الحياة التي كان يعيشها الى متعة اللطم وازدراء واقعه وذلك لتأثير المقارنات السلبية التي تحاصره، مبيناً أن ليس كل ما يصور هو الواقع الذي يعيشه المشهور في مواقع التواصل الاجتماعي، وتحديداً سناب شات البرنامج الأكثر استخداماً الآن، فما يتم طرحه من صور ومقاطع فيديو هي المواد التي يريد أن يوصلها للمتابعين وللجمهور وليس المادة التي يعيشها المشهور، فالطرح الذي يتصفحه المتابع يومياً مختار بدقة وعناية لرسالة يرغب المشهور في الرحالة والسفر إيصالها ولهذا ينبغي أن يكون هناك هدف من إضافتنا للمشاهير الذين يزيدونا بمعلومات وخبرة ومعرفة في الأشياء اللي تهمنا، ذاكراً أن الأمر الذي يعد إشكالية مقلقة هو أن هناك أشخاصا أصبحت لديهم رغبة وحاجة للسفر بهدف التصوير والاستعراض وهم بذلك فقدوا جزء كبير من فوائد السفر كالاستمتاع و الاستكشاف والتعرف على الثقافات المختلفة والانغماس مع الشعوب، وبالتالي نجده يصور فقط وينظر لتعليقات الآخرين ولعدد من يتابعه. عدد المتابعين وأوضحت سلافة الفريح –فنانة فوتوغرافية ومدربة تصوير ضوئي– أن العالم الآن واقع تحت سطوة مواقع التواصل الاجتماعي، فلم يسلم من هيمنتها إلاّ من رحم الله، وأصبحت الصورة بوجهيها الثابت أو المتحرك اللغة المتحكمة في تلك المواقع، ولكن للأسف لم تقدم المعايير الفنية أوالتكوينات الجمالية أو الزوايا الإبداعية في أغلبها؛ لأن الهدف من التصوير في «السوشال ميديا» أن تحظى بأكبر عدد من المتابعين وتحصد الشهرة والمال، وكلما كانت صورك متنوعة وجذابة كلما أصبحت متبوعاً ومشهوراً، مبينةً أن ما نراه اليوم هو مجرد تقليد الناس للمشاهير وحذو حذوهم فيما يقدمون حتى لو كان تافهاً، خلق لنا حسابات مستنسخة، وبلغ التنافس أوجه فيما بينهم وانجرف العامة مع هذا التيار دون ضوابط، مؤكدةً على أنه لا نغفل أن هناك بعض المصورين الذين قدموا دروساً ومحاضرات وورش عمل فوتوغرافية وأصبحت حساباتهم منابر ضوئية. غير صحي وقالت الفريح: من الطبيعي في فترة الصيف تتمحور معظم الصور حول السفر والمطاعم والفنادق وهناك حسابات معروفة سخرت إمكانياتها لخدمة الناس وتقديم عصارة خبرتهم السياحية وهدا أمر رائع، فحصلوا على مئات الآلاف من المتابعين، فانبرى البقية بتقليدهم مع اختلاف أهدافهم التي لا تخلو من الاستعراض والمباهاة وسلسلة الأمراض الاجتماعية التي ابتلينا بها في هذا العصر، بهدف استقطاب المتابعين، مع أنهم يخدمون محركات البحث في الانترنت بالصور والمعلومات الثقافية الصحيحة والمغلوطة فيختلط الغث بالسمين، مبينةً أن نشر صور تفاصيل الحياة الخاصة والعامة أمر غير صحي ومزعج خاصةً عند من يعملون بمبدأ «انتهك خصوصياتك أكثر تضاعف عدد متابعيك أكثر»؛ لأن النفس البشرية بفطرتها شغوفة باكتشاف الخبايا، والمضحك المبكي أن البعض من مهووسين التقليد يدخلون الفنادق والمطاعم والمتاجر الفخمة فقط لالتقاط الصور لمتابعيهم ثم يخرجون بعد حصولهم على وثيقة ضوئية مصدقة بأنهم كانوا هنا. عقدة نقص وتحدث د. محمد الحامد –استشاري الطب النفسي بجدة- قائلاً: إن التوجه في استخدام مواقع التواصل الاجتماعي وخصوصاً السناب شات لا يعد مقتصراً على أفراد مجتمعنا بل هو توجه سائد عالمياً، مرجعاً السبب إلى الانفجار الهائل في استخدام تلك الوسائل حتى سجلنا نسب عالية في الاقبال على استخدام مثل تلك التطبيقات والبرامج، مضيفاً أن المجتمعات المنغلقة والمحافظة تعاني من «قولبة» فكرية ونسقيه في التركيب كما تعاني من وجود كثير من الثغرات على المستوى الاجتماعي إذ تبحث عن الانفتاح وفي ذات الوقت تخشاه وهذه التناقضات الداخلية تؤثر بثقافة الفرد والأسرة، خصوصاً في بعض المفاهيم كالحرية والخصوصية، مبيناً أنه نتيجة لعقدة النقص الناتجة عن الانغلاق والمبالغة فيه نجد أن هناك من تفاعل مع وسائل الاتصال بإسراف كبير حتى في أدق الخصوصيات، اللافت للأمر أن هذا التوجه أصبح موضة العصر إذ أن كثير من الأشخاص يبحثون عن الاستعراض بصورة سلبية ومقلقة. عملية تعويضية وأوضح د. الحامد أن الحياة الحديثة تفتقد للتواصل والتفاعل الواقعي ليصبح هنا التواصل الافتراضي عملية تعويضية، داعياً إلى أن تتم بطريقة واعية ومعتدلة حتى لا نخسر التواصل الحقيقي والواقعي، أو تفقد الأجيال القادمة مهارات التواصل الاجتماعي الواقعي، ومن هنا نأمل أن تكون هناك محاولات جادة وحثيثة لتزكية مفهوم الوسطية وأن يكون هناك احترام للعقل والذائقة العامة، وأن لا نكون منعزلين أو عديمي المشاعر، إذ لابد أن نراعي مشاعر المتابعين لنا خاصةً أن الفرد ينظر عند المقارنة لدائرة الصغيرة المحيطة به. الانشغال بالتصوير عبر السناب شات يضيع على الكثير من السياح متعه السفر بعض السياح يصور أدق تفاصيل رحلاته لمتابعينه د. محمد الحامد عمر الرشود