المملكة تعزّز جهود العمل المناخي خلال منتدى مبادرة السعودية الخضراء 2024    وزير الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية يكرم شركة المراعي في الحملة الوطنية للتدريب «وعد»    رئيس وزراء منغوليا يستقبل الأمير تركي بن محمد بن فهد    محافظ جدة يكرِّم 21 طالباً وطالبة من الفائزين بجائزة «صناعيو المستقبل»    أمير الرياض يؤدي صلاة الميت على والدة الأمير فهد بن عبدالله بن عبدالمحسن    الصين تدعو مواطنيها في كوريا الجنوبية إلى توخي "الحذر"    مستشفى الرعاية المديدة بالرياض يعزز تمكين الأشخاص ذوي الإعاقة في بيئة العمل    مدرب ليفربول: لن نتعجل عودة أليسون من الإصابة    فرع الإفتاء بمنطقة جازان يطلق مبادرة اللحمة الوطنية"    إطلاق خدمة الامتثال بالتأمين الصحي للمنشآت في المملكة    صدور موافقة خادم الحرمين على منح وسام الملك عبدالعزيز من الدرجة الثالثة ل 72 مواطنًا ومواطنة لتبرعهم بأحد أعضائهم الرئيسة    إسرائيل تحذر: لن نميّز بين لبنان وحزب الله حال انهيار الهدنة    مدير تعليم الطائف التطوع قيمة إسلامية ومطلب مجتمعي    الشورى يقر دراسة إعادة جدولة القروض العقارية للمتقاعد وفقاً لراتبه    جمعية أصدقاء البيئة تشارك في مؤتمر الأطراف COP16 بالرياض    نائب أمير مكة يشهد توقيع مذكرة تعاون بين الإمارة وجامعة الطائف    التحالف ينفي تصريحات ومزاعم القيادي الحوثي حول جثمان شقيقه    قطاع ومستشفى تنومة يُفعّل"اليوم العالمي للسكري"    الإتحاد يعلن تطورات إصابات هوساوي وبيرجوين    المملكة نموذج عالمي للإصلاحات.. اتفاقية استراتيجية مع البنك الدولي لإنشاء مركز عالمي للمعرفة    وزير الدولة للشؤون الخارجية يلتقي وزيرة المناخ البريطانية    تشكيل الهلال المتوقع ضد الغرافة    «التجارة»: السجن والتشهير بمواطن ومقيم ارتكبا جريمة التستر في المقاولات    الهيئة الملكية لمحافظة العُلا تعلن زراعة 500 ألف شجرة وشجيرة    مجمع إرادة بالرياض: المضادات الحيوية لها تأثيرات نفسية تصل إلى الذهان    الصندوق العقاري يمنح مستفيدي الإقراض المباشر قبل عام 2017 خصمًا يصل %24 في حالة السداد المبكر    مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف يستقبل طلاب البحرين    المياه الوطنية: إغلاق جزئي لشارع 18 بحيّي القزاز والعدامة لتنفيذ مشروع تحسين جودة مياه الشرب بالدمام    مذكرة تفاهم بين هيئة الصحفيين بمكة وجامعة جدة وكلية جدة العالمية للتدريب والتطوير    أكثر من 60 مفكرًا يشاركون في مؤتمر الرياض الدولي للفلسفة الخميس المقبل    سفير قطر بالمملكة: التأييد الدولي التاريخي لملف استضافة المملكة لمونديال 2034 يؤكد مكانتها المرموقة    هلال جمادى الآخرة يُزين سماء الوطن العربي اليوم    إصابة خمسة فلسطينيين في قصف إسرائيلي على مدينة دير البلح    الكلية التقنية تكرم فرع الرئاسة العامة لهيئة الأمر بالمعروف بجازان    أمير القصيم يتفقد محافظة النبهانية ويناقش احتياجاتها مع الأهالي والمسؤولين    أمير القصيم يكرم عددًا من رجال الأمن المتميزين في شرطة محافظة النبهانية    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين ونيابة عنه.. نائب أمير مكة المكرمة يرعى الملتقى العلمي لأبحاث الحج والعمرة    يجمع بين رواد الحِرف اليدوية من مختلف الدول.. «بنان».. تعزيز التفاهم الثقافي بين الشعوب    مبادرات إنسانية    وصول الطائرة الإغاثية السعودية ال 27 إلى لبنان    «إكس» تميز الحسابات الساخرة بملصق خاص    أهمية الداش كام وكاميرات المراقبة المنزلية    تطبيقات توصيل الركاب ما تزال غير آمنة    وزير الدفاع يستعرض مع منسق الأمن القومي السنغافوري التعاون المشترك    روسيا: الدولار يفقد جاذبيته عملةً احتياطيةً    تعليم سراة عبيدة يحتفي باليوم العالمي للطفل    البشر القدماء يمتلكون رؤوسا كبيرة    ولي العهد والرئيس الفرنسي يشهدان مراسم توقيع مذكرة تفاهم بشأن تشكيل مجلس الشراكة الاستراتيجي بين حكومتي المملكة وفرنسا    تامر يكشف سراً مع أليسا عمره 12 عاماً    أطباء في جدة يناقشون أسباب إصابة 17.9 % من البالغين بالسكر    لا تنحرج: تجاهلُها قد توصلك للموت    5 أغذية تصيبك بالكسل    محمد بن عبدالرحمن يلتقي مسؤولي "مكنون"    أدب القطار    بيولي يُبرر خسارة النصر أمام السد    وزير الدفاع يبحث مع الوزير المنسق للأمن القومي السنغافوري الأوضاع الإقليمية والدولية    رحم الله الشيخ دخيل الله    الشؤون الإسلامية تواصل تنفذ جولاتها الرقابية على الجوامع والمساجد بأبي عريش وفيفا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قصة البشر في 13 ألف عام
هكذا بدأت الحضارة يا «يالي» (1 - 3)
نشر في الرياض يوم 01 - 11 - 2005

نال الباحث وعالم الأحياء الأمريكي جاريد دايموند شهرة واسعة عام 1992 عندما نشر أول كتبه الشمبانزي الثالث الذي جعله صاحب نظريات خاصة حول تطور الجنس البشري عبر تاريخه الطويل وألف بعده عدة كتب نالت الكثير من الشهرة والانتشار غير أن كتابه «الأسلحة والجراثيم والصلب: أقدار المجتمعات البشرية» الذي نشره للمرة الأولي عام 1997 كان هو الكتاب الأكثر إثارة للجدل والأوسع شهرة في مجال تاريخ المجتمعات الإنسانية حيث ناقض فيه ما جاء قديما من نظريات علمية حول أسباب تطور الحضارات الإنسانية عبر التاريخ وأرجع الأمر ببساطة إلى أربعة عوامل لا غير هي الموقع الجغرافي والكثافة السكانية وانتشار الخبرات والمعرفة والظروف والمتغيرات البيئية وقد نال عن كتابه هذا جائزة بوليتزر للعلوم عام 1997 و ظلت نظرياته التي وضعها في هذا الكتاب مادة للفحص والتدقيق إلى أن قدم في شهر سبتمبر الماضي الطبعة الرابعة من كتابه التي ضمنها المزيد من التفاصيل والشرح لنظرياته وأيضا المزيد من السرد لحقيقة تاريخ المجتمعات الإنسانية وأسباب هيمنة الأوروبيين على العالم الآن ثم انه يقدم فصولا جديدة ومثيرة حول توقعاته للكيفية التي سوف تنتهي بها الحياة البشرية على الأرض بعد أن عمد الإنسان إلى استنزاف كافة الموارد التي يمكن ان توفر له سبل الحياة على الأرض ويضرب في هذا الإطار أمثلة بحضارات كانت مميزة عبر التاريخ ولكنها اندثرت تماما بعد أن استنزف أصحابها جميع مواردهم البيئية حتى لم يعد أمامهم ما يأكلونه سوى بعضهم البعض حتى قضوا على سلالتهم وحضارتهم.
ودايموند أستاذ في علم وظائف الأعضاء بكلية الطب في جامعة كاليفورنيا كما أنه عالم في الجغرافيا والبيئة والعلوم الصحية وباحث نذر حياته لدراسة الحيوانات وخاصة في منطقة غينيا الجديدة ومنذ عام 1977 نشر 8 كتب هامة منها كتابه الذي نشر العام الماضي «الانهيار». في كتاب دايموند الجديد يخبرنا أن دوافعه لوضع هذا الكتاب جاءت من صديقه «يالي» وهو أحد أبناء غينيا الجديدة أو جزيرة ايريانا شمال استراليا التي تعد من دول العالم الجديد وهي المنطقة التي قام فيها بعمل ميداني موسع لأكثر من 30 عاما وقد سأله يالي لماذا تمكنتم انتم البيض من تطوير الكثير من الأدوات وجلبتموها إلى غينيا الجديدة في حين أننا السود لم نطور الكثير من الأدوات؟ وليجيب دايموند على هذا السؤال فانه يستعرض تاريخ البشرية على مدار ال 13 ألف عام الماضية في نحو 500 صفحة حيث يبدأ من نهاية العصر الجليدي حيث كانت هناك حقبة زمنية في التاريخ منحت الحياة النباتية والحيوانية تطورا خاصا التي سوف تقود إلى التوجه نحو حضارة مابين النهرين دجلة والفرات أو ما يعرف بحضارة الهلال الخصيب حيث وجد العلماء الآلات التي سوف تصبح محاصيل مستأنسة للقمح والشعير وكان نبات الكتان متوافرا لتطوير الأقمشة وكانت هناك غزارة ووفرة في الحيوانات الثديية الضخمة التي تمكن الإنسان من ترويضها مثل الخراف والماعز والأبقار وبمجرد أن ولدت الزراعة وتم ترويض الحيوانات قاد هذا إلى نمو الحضارة حيث استقر الناس وخزنوا ما فاض عن حاجتهم من الحبوب مما دفعهم لإنجاب المزيد من الأبناء دون خوف من الموت جوعا وخلال تلك العملية جاءت ضرورة وجود طبقة عاملة وظهرت طبقة النخبة ثم حكام شرعيون ولغة ليتفاهم بها الجميع مع بعضهم البعض ثم جاء مع التطور البشري ومع الحضارة الحروب والأسلحة وجاء مع الزراعة وترويض الحيوانات الجراثيم والأوبئة وجاء الدمار وانتهت حضارات لتبدأ من جديد في مكان آخر من حيث انتهت الحضارة التي قبلها وتزايد البشر ورغبوا في أماكن أوسع وموارد أكثر فاتجهوا نحو ما يعرف بالعالم الجديد حيث ميسوامريكا او أمريكا الوسطي وغينية الجديدة. إن جاريد دايموند يؤكد أن العوامل الجغرافية والبيئية هي التي شكلت العالم الجديد وأن المجتمعات التي بدأت بما يسميه عملية إنتاج الطعام من خلال الزراعة هي التي تطورت وعبرت مرحلة القنص والالتقاط لتؤسس حضارات ثم فيما بعد بمغامرات عبر البحر وعلى الأرض لغزو الحضارات الاخرى والقضاء على ثقافتها. والكتاب يمثل علامة هامة في فهمنا للمجتمعات الإنسانية عبر التاريخ وهو يخبرنا بالطريقة التي وصل إليها العالم الحديث حتى أصبح عالما مذهلا مفككا يعتمد على نظريات التميز العنصري في تفسير تاريخ البشر . في كتاب الأسلحة والجراثيم والصلب ينتهي دايموند إلى أن جغرافية الأرض هي العامل الوحيد في التطور والتنمية لحضارات العالم،وهو بصفة خاصة يرى أن الأوروبيين والآسيويين هيمنوا على العالم سياسيا واقتصاديا بسبب توفر ظروف جغرافية مناسبة لديهم ويؤكد أن شعوب أوروبا وأسيا كانت لهم ميزات امتلاك أراض شديدة الخصوبة وحيوانات قابلة للترويض في حين أن الشعوب الأصلية لأفريقيا وجزر المحيط الهادئ والأمريكتين لم يتملكوا تلك المزايا ونتيجة لهذا فإن الأوروبيين تمكنوا من وضع أقدامهم على بداية طريق التطور وبناء الحضارات.وأنهم بعد أن تمكنوا من التغلب على مشاكلهم الزراعية بقدوم عام 1500قبل الميلاد استخدموا أدواتهم المتطورة الحديثة من الأسلحة والصلب وحتى الجراثيم في الهيمنة على بقية شعوب العالم وانه لو سكنت الشعوب الأفريقية في أوروبا لهيمن السود على العالم،فهو يؤكد أن عناصر العرق وعلم الأحياء وحتى الدين لا تفسر المسار الذي اتخذه التاريخ البشري. والسؤال الهام الذي يطرحه دايموند لماذا غزا الأوروبيون شعوب أفريقيا والأمريكتين ولم يحدث العكس ؟ الإجابة المباشرة تأتي من غلاف الكتاب وهي بسبب الأسلحة والجراثيم والصلب. وهذا يعني أن الغازين الأوروبيين كانوا يملكون كلا من التكنولوجيا والبيولوجيا ومزيجا من السفن الضخمة والقوى النارية الفاعلة والأمراض القاتلة التي منحتهم ميزات كبرى على الشعوب المحلية.
ويكتب دايموند في الفصل الأول من كتابه الذي جاء بعنوان ( نحو خط البداية ) انه منذ نحو 13 ألف عام مضت صنع البشر أهم تغير في التاريخ مع نتائج ما زالت تؤثر في البشرية حتى اليوم حيث دخلوا ما يسميه عصر (الثورة النيوليثية )أو ثورة العصر الحجري الحديث في منطقة الهلال الخصيب في الشرق الأوسط أو في بلاد ما بين النهرين ثم بشكل مستقل في الصين و(ميسو- أمريكا) أو أمريكا الوسطى والانديز وشمال شرق أمريكا وربما في عدة مناطق أخرى ...لقد اخترعوا الزراعة الكثيفة المستقرة. ولكنهم لم يخترعوها دفعة واحدة ولم يدركوا أنهم يقومون بهذا،لقد جاء الأمر بشكل متفرق من خلال التحول من الاعتماد على التقاط القمح الذي كان ينمو بريا دون تدخل منهم إلى انتقاء البذور وإزالة الأعشاب الضارة والري والتسميد والحصاد وتخزين المحاصيل الخاصة بعدد من النباتات الثمينة. وفي نفس الوقت تقريبا بدأوا في التعامل مع عدد من أصناف الحيوانات وترويضها لتخدم احتياجاتهم للحصول على لحم أفضل والاستفادة بجلودها وفرائها وصوفها وتدريبها لتجر العربات. وبعد فترة من الوقت عندما أنجزوا كل هذه العمليات المنفصلة بشكل منظم أصبح لديهم ما يعرف بأنظمة الإنتاج والتي بدت لفترة طويلة أنها تتلاءم مع بعضها البعض بشكل طبيعي. و لكن لماذا اتجهت الشعوب التي كانت تلتقط وتقوم بعمليات القنص إلى مشقة القيام بأعمال إضافية ؟ ويجيب دايموند بان تلك العملية التي يشبهها بالثورة الصناعية في القرن التاسع عشر لم تمر خلال قرن واحد بل أنها احتاجت إلى عدة آلاف من السنين حدث خلالها استئناس أو تدجين النبات والحيوان وقد ارتبط بذلك ضرورة الاستقرار في الأرض والتحول من مرحلة التقاط الطعام والقنص إلى إنتاج الطعام ثم تخزينه فكانت تلك الأنواع من الحيوانات والنباتات التي بدأ اختراعها أو اكتشافها في الشرق الأوسط خلال العصر الحجري الحديث وهي نفسها جميع أنواع الطعام الذي يعرفه الإنسان الآن وهي السبب الأساسي كما يرى دايموند في نشوء المجتمعات الإنسانية ومن ثم الحضارات. و يروي دايموند كيف أن أسلافنا الذين قاموا في البداية بعمليات الالتقاط والقنص نظموا أنفسهم بشكل قاس في مجموعات ومع مرور الوقت تزايدت المجموعات ذات الأعداد الصغيرة فتشكلت القرى وتزايدت الكثافة السكانية فنشأت الهجرة إلى مناطق جديدة وفي النهاية كانت تلك المجتمعات في كل مكان حتى إنها وصلت الأمريكتين ( أي ما يعرف الآن بالعالم الجديد ).
وفجأة أي بالنسبة للتاريخ البشري خلال عدة آلاف من السنوات لم يدرك أسلافنا ما فعلوه لكنهم كانوا قد أسسوا لبنة الحضارة ...إن إنتاج الطعام قاد إلى إعادة إنتاجه ليقدم إلى عدد اكبر من الأفراد الذين كان عليهم إنتاج المزيد من النباتات والحيوانات التي قادت إلى إنتاج المزيد من الأفراد الذين كان عليهم إنتاج المزيد من النباتات والحيوانات وهكذا إلى ما لا نهاية. وإعادة الإنتاج للنباتات والحيوانات واستقرار الأفراد أدى إلى اكبر تدفق في تشكيل التاريخ الذي قاد بشكل مباشر إلى ثاني اكبر تحول في التاريخ وهو اختراع المدن حيث انه في عام 5700 قبل الميلاد انشأ السومريون المدن وفيما بعد الصينيون ثم شعوب ميسوأمريكا أو أمريكا الوسطي وسكان البيرو في أمريكا الجنوبية الذين لم يدركوا أنهم اخترعوا المدن أو كانوا على عتبة اختراعها. ثم كانت الحاجة إلى الكتابة التي كانت أحد أكثر التنظيمات الإدارية تعقيدا.
التطور السياسي
ثم يتحدث دايموند عن الطريقة التي تدرجت بها عملية الحكم وظهرت من خلالها طبقات النخبة في تلك المجتمعات البدائية فيكتب :«لقد تبنت الشعوب المختلفة طرقا متشابهة للتعايش وسط ظروف غير متشابهة. ففي القرى القبلية حيث يعيش اقل من مائة شخص وينتمون إلى أسرة يجمعها النسب فان إدارة العلاقات لم تستلزم سوى مراقبة أو إشراف غير رسمي من رجل اكبر لديه فقط القدرة على الإقناع،وعندما نمت تلك القرى بشكل اكبر وتشكلت عدة قرى تضم ألف فرد أو أكثر لا تجمعهم وحدة اللغة ولكن تجمعهم عملية مشتركة من إنتاج الطعام واستهلاكه فأصبحت عملية إدارة العلاقات أكثر صعوبة وأهمية.
وأصبح من المفترض أن يكون الرجل الأكبر رئيسا وأن يرتدي ملابس أكثر تألقا من غيره ويخدمه محاربون يطيعون أوامره ويدافعون عنه . إن عشرات الآلاف من الأفراد عجزوا عن تنظيم علاقاتهم وشؤونهم بنفس الطريقة التي كان ينظم بها مائة فرد شؤونهم. وكان يجب أن يكون هناك قانون ينظم العلاقات ما بينهم وينظم أساليب الزراعة وملكية الموارد فظهرت أهمية أن يكون هناك من ينظم عملية توزيع الحصص طبقا لقوانين ومن يقوم بتسوية النزاعات بين هؤلاء الأفراد وأيضا من يحميهم من الغرباء القادمين ومن اجتياح الأعداء أو من يقوم برد اعتدائهم. وأيضا كان يجب الاهتمام بأرواح هؤلاء الأفراد وإقناعهم بجدارة أن يكون أحدهم هو الحاكم لهم. وهكذا فقد حدث تحول تاريخي عالمي آخر مع انتقال القبائل دون إدراك منها إلى مشايخ ثم إلى قرى فمدن وحدث دون إدراك تقسيم الرجال والنساء إلى حاكمين ومحكومين.. وخلال فترة زمنية ساد نظام المشايخ منطقة ما بين النهرين من 5500 إلى 3700 قبل الميلاد ثم جاء أول نوع رسمي من الحضارات إلى الوجود مدن بها طبقات متسلسلة هرميا من العبيد والحرفيين والتجار والمحاربين والفنانين والكتاب وأصحاب الأراضي وموظفي الحكومة والكهنة وحكم تلك المدن ملوك أقوى من الشيوخ. ودعم اقتصاد هذه المدن فائض المحصول الزراعي المقتطع الذي كان يؤخذ كجزية أو ضريبة ويخزن ثم بنيت قنوات الري من قبل العمالة الإلزامية والعبيد الذين أسروا من خلال الغزوات وبنيت المباني العامة الضخمة التي كان لها دور مهم في التأثير على الجماهير العامة من الطبقات الدنيا حيث كان يجب أن تضيف المزيد من الهيبة والتألق للملوك الذين أصبحوا أشبه بالآلهة والكهنة ثم الأثرياء الذين امتلكوا أكثر من غيرهم لسبب أو لآخر .
ومع استعراض القدرات البدنية للملوك كان يجب أن يأتي استعراض للقدارت الروحية والحديث عن « الآلهة التي تبارك الأفراد».. الإمبراطوريات المتحضرة التي بدت حصينة عاشت على حفظ توازن متأرجح مع مشايخ بدوية متنقلة ودول بعيدة. ولكن مع تدجين الحيوانات والنباتات انتشرت الجراثيم وجاءت الأوبئة فقضت على الحيوان والنبات والبشر ثم كانت الأزمات السياسية التي دمرت المدن وجاء اختراع أسلحة المدفعية واستخدام الجيوش النظامية في منتصف القرن الرابع عشر فدافع سكان المدن عن أنفسهم بشكل ملائم ووقتها فقط كان هناك رعب كبير من اجتياح يأتيهم من حيث لا يعلمون.
الحضارات الإنسانية الكبرى
ويستعرض جاريد دايموند عبر فصول كتابه تاريخ أكبر الحضارات البشرية حيث يفرق بين بعضها البعض من حيث فترة تواجدها ومدى اتساعها ومدى تطورها الثقافي والاقتصادي والسياسي والعلاقات الدبلوماسية التي ربطتها بجيرانها ويبدأ الكاتب بالحضارة المصرية القديمة التي بدأت في أسفل وادي النيل وامتدت من الجنوب إلى الشمال نحو البحر الأبيض المتوسط،ويوضح أنه منذ 250 ألف سنة ق.م. في عصور ما قبل التاريخ كانت مصر مهد الإنسان البدائي الذي كان يصطاد الحيوانات في أقصى الجنوب عند النوبة وهى منطقة غنية بالحشائش. . منذ 25 ألف سنة ق.م. تعرضت هذه المنطقة للتصحر بعد توقف هطول الأمطار مما أوجد مجتمعات زراعية بمصر الوسطى والدلتا بالشمال.وقامت أول حضارة مصرية في منطقة البداري بالصعيد تقوم على الفلاحة والصيد وتربية الطيور والمواشي وصناعة الفخار والتعدين. وفي سنة 4000ق م ظهرت نظم الري وأصبحت مصر ممالك قبلية صغيرة وكان الوجه القبلي يرمز له بالتاج الأبيض والوجه البحري يرمز له بالتاج الأحمر ووحد الملك مينا القطرين منذ 3100سنة ق.م وجعل العاصمة منف (ممفيس). وهذا التوحيد جعل مصر بلدا آمنا مما جعلها ركيزة الحضارة الإنسانية بلا منازع وهذا يتضح من خلال سجلاتها الكثيرة التي حافظ عليها مناخها الجاف لتكون رسالة محفوظة عبر الأزمان المتلاحقة وما نقش على جدران معابدها وما كتب على ورق البردي. و يكتب : «لم تكن حضارة قدماء المصريين فلتة حضارية في عمر الزمن لأن حضارتهم كانت متفردة بسماتها الحضارية وإنجازاتها الضخمة وأصالتها. وهذا ما أضفى عليها مصداقية الأصالة بين كل الحضارات التالية. مما جعلها أم حضارات الدنيا بلا منازع. وهذه الحضارة الأكثر مكوثا وشهرة بين الحضارات القديمة فلقد قامت حضارة قدماء المصريين بطول نهر النيل بشمال شرق أفريقيا منذ سنة3000 ق.م. إلى سنة30 ق.م.. وهي أطول حضارة متواصلة بالعالم القديم ويعتبر نهر النيل هو المحور الذي تدور حوله حضارة قدماء المصريين وهو ينبع من فوق هضاب الحبشة بشرق أفريقيا ومنابع النيل بجنوب السودان متجها من السودان شمالا لمصر ليأتي الفيضان كل عام ليغذي التربة بالطمي. وهذه الظاهرة الفيضانية الطبيعية جعلت اقتصاد مصر في تنام متجدد معتمدا أساسا على الزراعة. ومما ساعد على ظهور الحضارة أيضا خلو السماء من الغيوم وسطوع الشمس المشرفة تقريبا طوال العام لتمد المصريين القدماء بالدفء والضوء. كما أن مصر محمية من الجيران بالصحراء من الغرب والبحر من الشمال والشرق ووجود الشلالات (الجنادل) جنوبا بالنوبة على النيل مما جعلها أرضا شبه مهجورة. الاستقرار جعل قدماء المصريين يبدعون حضارتهم ومدنهم فوق أرضهم. فأوجدوا العلوم والآداب والتقاليد والعادات والكتابات والقصص والأساطير وتركوا من بعدهم تأريخا جداريا ومخطوطات على البردي لتأصيل هذه الحضارة المبتكرة. فشيدوا البنايات الضخمة كالأهرامات والمعابد والمقابر التي تحدت الزمن. علاوة على المخطوطات والرسومات والنقوش والصور الملونة والتي ظلت حتى اليوم.ورغم أن قدماء المصريين كانوا يعبدون آلهة عديدة إلا أن دعوة التوحيد الإلهي ظهرت على يد الملك إخناتون كسمة عقائدية. كما أنهم أول من صور وابتدع عقيدة الحياة الأخروية. وهذه المفاهيم لم تكن موجودة لدى بقية الشعوب. وبنوا المقابر المزينة والمزخرفة وقاموا بتأثيثها ليعيشوا بها «عيشة أبدية». وكانت مصر القوة العظمى بالعالم القديم وكان تأثيرها السياسي في أحيان كثيرة يمتد نفوذه لدول الجوار شرقا في آسيا وغربا بأفريقيا. وجنوبا بالنوبة وبلاد بونت بالصومال. وكانت وفرة مياه الفيضان قد جعلتهم يقيمون شبكة للري والزراعة وصنعوا القوارب للملاحة والنقل وصيد الأسماك من النهر. وأعطتهم الأرض المعادن والجواهر النفيسة كالذهب والفضة والنحاس. وكانوا يتبادلون السلع مع دول الجوار.
وكان حجر رشيد قد اكتشف عام 1799إبان الحملة الفرنسية وقد نقش عام 196 ق.م. وعليه ثلاث لغات هي الهيروغليفية والديموطقية ( القبطية ويقصد بها اللغة الحديثة لقدماء المصريين ) والإغريقية. وكان وقت اكتشافه لغزا لغويا. لأن اللغات الثلاث كانت وقتها من اللغات الميتة. حتى جاء العالم الفرنسي جيان فرانسوا شامبليون وفسر هذه اللغات بعد مضاهاتها بالنص الإغريقي ونصوص هيروغليفية أخرى. وكانت الهيروغليفية لغة دينية متداولة في المعابد واللغة الديموطيقية كانت لغة الكتابة الشعبية والإغريقية لغة الحكام. وكان محتوي الكتابة تمجيدا لفرعون مصر وإنجازاته الطيبة للكهنة وشعب مصر. وقد كتبه الكهنة ليقرأه العامة والخاصة من كبار المصريين والطبقة الحاكمة. واستطاع شامبليون فك شفرة الهيروغليفية عام 1822 ليفتح آفاق التعرف على حضارة قدماء المصريين وفك ألغازها وترجمة علومها بعد إحياء لغتهم بعد مواتها عبر القرون.. وقد لعبت العقيدة الدينية دورا كبيرا في حياتهم وكان لها تأثيرها على فنونهم وعلى فكرهم عن الحياة الأخروية وفكرة البعث والنشور وعلاقاتهم بحكامهم. وبنوا حوالي 100 هرم كملاذ وبيت راحة لحكامهم بعد الموت. وكان قدماء المصريين يعتقدون أن نموذج المعبد الذي يبنيه البشر يمكن أن يكون بيئة طبيعية مناسبة للآلهة.
وقد استفاد الإغريق من قدماء المصريين في النحت والعمارة والفلسفة والإلهيات. . فلقد كان المصريون القدماء سادة فنون الأعمال الحجرية والمعدنية وصنع الزجاج وكانت عقيدتهم تقوم على الشمس ممثلة في عقيدة رع وحورس وأتون. والقمر ممثلا في عقيدة توت وخون سو. ومعظم هذه الآلهة دارت حولها الأساطير. وأصبح رع وآمون بعد اندماجهما يمثلان عقيدة آمون - رع كملك الآلهة. وكانت هناك آلهة محلية تعبد خاصة بكل إقليم بمصر.. وكان المصريون يهتمون بالحياة بعد الموت ويقيمون المقابر ويزينونها ويجهزونها بالصور والأثاث. وفي مصر القديمة كان الملك هو الحاكم المطلق والقائد الروحي والصلة بين الشعب والآلهة. وكان يعاونه الوزير والجهاز الإداري ويتبعه الكهان. وكان الملك قائد الجيش وقواده وأعوانه و جنوده من المرتزقة الأجانب. وكان الحكم وراثيا بين الأبناء في معظم الوقت باستثناء حور محب (1319 ق.م.)الذي كان قائدا ورمسيس الأول الذي خلفه لم يكن من الدم الملكي. وقلما كانت امرأة تحكم مصر ماعدا حتشبسوت التي حكمت في الأسرة ال 18 بعد وفاة زوجها تحتمس الثاني عام 1479ق.م. وتقاسمت الحكم مع تحتمس الثالث. وكان المصريون يعتقدون أن مركز الملك إلهي والملك إله. وبعد موته تؤدى له الطقوس ليظل إلها. وكان يلقب عادة بمالك وملك الأرضين مصر العليا ومصر السفلى (الدلتا بالشمال والوادي بالجنوب. الحضارة الصينية ويعتبرها دايموند واحدة من أقدم الحضارات المتواصلة في التاريخ حيث تشير الآثار إلى أن الإنسان الحديث العاقل سكنها قبل 65 ألف عام مضت فيما يعرف بإنسان بكين الذي عثر على بقاياه علماء الآثار عام 1923 قادما من أفريقيا وتعود زراعة الأرز بها إلى نحو عام 6000 قبل الميلاد مع تاريخ مكتوب يعود إلى عام 3500 قبل الميلاد وتشير الآثار إلى أن جذور الحضارة الصينية قد بدأت بمدينة ودولة تعود إلى عام 5000 قبل الميلاد في حين أن تاريخها الرسمي يعود إلى ألفي عام عندما توحدت في إمبراطورية وحكمتها أسر متعاقبة طورت نظما بيروقراطية للهيمنة سوف تجعل فيما بعد الإمبراطور يهيمن على الأقاليم الواسعة التي ضمت للصين. وكان تطور إيديولوجية الدولة قد اعتمد على الكنفوشيوسية التي ظهرت عام 100 قبل الميلاد وكانت علامة فارقة في أساس ما يعرف بالحضارة الصينية وقد تنوعت الصين سياسيا ما بين فترات من الوحدة السياسية والنزاع وكانت أحيانا تتعرض للغزو من قبل جماعات مختلفة خارجية بعضهم امتزج في النهاية مع السكان الصينيين وكان التأثير الثقافي والسياسي للعديد من المناطق في آسيا قد حملته نوبات متعاقبة من الهجرة ودمجت لتشكل صورة الثقافة الصينية اليوم . ثم يتحدث عن حضارة الجومون والتي تعود إلى نحو 10 آلاف عام قبل الميلاد ويكتب دايموند: «على أساس اكتشافات الآثار الحديثة يمكننا القول إن النشاط البشري في هذه الحضارة قد بدأ قبل 200 ألف عام قبل الميلاد وربما 500 ألف عام عندما كانت الجزر اليابانية مرتبطة بالأراضي البرية الرئيسية لآسيا. وإن كان بعض العلماء يشك في هذا التاريخ البعيد من سكن الإنسان هذه الأراضي إلا أن معظمهم يتفق على أنهم سكنوا فيها نحو 40 ألف عام قبل الميلاد . و انه ما بين عام 35 ألف قبل الميلاد و30 قبل الميلاد انتقل الإنسان العاقل وهاجر إلى جزر من شرق وجنوب شرق أسيا وأسس له أنماطا من الحياة المستقرة اعتمدت على القنص والالتقاط وصناعة الأدوات الحجرية والصلبة وأسس أماكن للإقامة وطبقا إلى الأدلة العلمية الحديثة فإن شعب الجومون كان أول من صنع الآنية الفخارية في التاريخ وتعود إلى الألفية ال 11 قبل الميلاد بالإضافة إلى ابتكار أدوات معدنية صلبة بدائية وكانت تلك الأواني العتيقة قد اكتشفت بعد الحرب العالمية الثانية من خلال أساليب التأريخ عبر الكربون المشع،وقد صنع سكان الجومون التماثيل من الطمي والأواني.ووجود تلك الأواني يدل على شكل الحياة المستقرة التي عاشها سكان حضارة الجومون حيث إن صناعة الأواني الفخارية القابلة للكسر كانت تستلزم وجود نمط حياة مستقرة مما يجعلهم أول الشعوب استقرارا في التاريخ البشري وقد وجدت تلك الأواني وعليها آثار لزخارف تم إنجازها عن طريق حبال مختلفة مما دفع المؤرخين لأن يطلقوا على هذا الفترة اسم «فترة الخزف ذو الزخارف الحبلية» وكانت هذه الخزفيات الأولى من نوعها وقد استخدموا أدوات حجرية وصلبة وأفخاخا وأقواسا مما يدل على أنهم بجانب القنص والالتقاط قاموا أيضا بصيد الأسماك ومارسوا أشكالا بدائية من الزراعة وعاشوا في كهوف وفيما بعد في جماعات ربما فوق الأرض مما يجعل اليوم غالبية المؤرخين يرجعون الزراعة في أول أشكالها إلى حضارة الجومون أو إلى اليابان قبل 10 آلاف عام من انتشارها في منطقة الشرق الأوسط.
ويري دايموند أنه مع انتهاء العصر الحجري القديم 8000 ق.م. ترك مكانه للعصر الحجري الوسيط الذي يسميه المؤرخون اليابانيون فترة «جومون» والذي تميز بتطور مجتمعات بدائية على كامل الأرخبيل قامت على نشاطي الصيد والجني - قبل ظهور الزراعة-.ومع بدء مرحلة الاستقرار وانتهاء حياة الترحال ظهرت الزراعة ودخلت تقنية زراعة الأرز في الحقول المغمورة بالمياه والتي استحدثها الصينيون إلى اليابان عن طريق كوريا ويرجح أنها انتشرت منذ القرن الخامس ق.م. و مازال العلماء وإلى يومنا هذا لم يحددوا بعد أصول السكان الأوائل لأرخبيل اليابان، إلا أن المؤكد أن الشعب الياباني نشأ نتيجة خليط لعدة أجناس كانت تتميز عن بعضها بعلامات فارقة: الجنس الأول، شعب بدائي قديم كان موجودا خلال الفترة الجليدية ما بين 30,000 و20,000 ق.م. ثم جنسان على الأقل، ممن قدموا إلى الجزيرة خلال هذه الفترة - كانت اليابان آسيا وأمريكا موصلتين معاً بقطعة جليدية واحدة-، الأول منها قادماً من جنوب القارة الآسيوية والآخر، من سهول سيبيريا والصين على الأرجح.
ويكتب دايموند أيضا عن الحضارة الغامضة التي وجدت في مدينة أريحا (Jericho) هي مدينة فلسطينية تاريخية قديمة تقع على الضفة الغربية لنهر الأردن وعند شمال البحر الميت. و مدينة أريحا القديمة تبعد نحو ميل من الغرب ومكانها يعرف بتلال أبي العلايق شمال تل السلطان ويرجع تاريخها إلى 6800ق.م. وكانت مبنية من الطوب اللبن وكان حولها خندق عرضه 28 قدما وعمقه 8 أقدام ومنحوت من الصخر. واكتشف في موقعها فخار ومصنوعات برونزية وعظام وأدوات منزلية خشبية وسلال وأقمشة. وقد دمرت في أواخر العصر البرونزي وتعتبر أقدم مدينة اكتشفت حتى الآن . ثم يكتب عن حضارة وادي الانديز من 2800 قبل الميلاد إلى 1800 قبل الميلاد وهي حضارة قديمة ازدهرت على طول نهر الأنديز ونهر شاكار هاكرا فيما يعرف الآن بباكستان وغرب الهند ومن بين الأسماء التي كانت لهذه الحضارة حضارة الهرابان في وادي الأنديز إشارة لأولى عمليات تنقيب عن الآثار في مدينة هارابارا . و قد ازدهرت هذه الحضارة نحو عام 2500 قبل الميلاد في الجزء الغربي من جنوب آسيا وهي تشكل الآن دولة باكستان وأجزاء من الهند وأفغانستان وهي تعتبر من أولى الحضارات في التاريخ وقد تزامنت مع إمبراطوريات العصر البرونزي في وادي الرافدين ومصر القديمة وانحدرت في منتصف الألفية الثانية قبل الميلاد ونسيت إلى أن أعيد اكتشافها مرة أخرى في عشرينيات القرن العشرين حيث وجد أكثر من ألف مدينة ومستوطنة . ومع كل إنجازات هذه الحضارة فإنها تعد من أكثر الحضارات غموضا في التاريخ بل ان معظم العلماء حتى الآن لم يتمكنوا من إيجاد تفسيرات لأسباب اختفائها وقد ظلت منسية حتى القرن العشرين كما أن نظام كتابتها وهو ما يعرف بنص الانديز لم تحل شفرته حتى اليوم وكان انحدارها قد بدأ عام 1900 قبل الميلاد بلا أسباب واضحة في حين أن معظم العلماء يؤكدون أنها كانت من أولى الحضارات التي أسست الزراعة في جنوب آسيا وقد زرع شعب الانديز القدماء القمح واستأنسوا عددا من الحيوانات منها الماشية وصنعوا الأواني الفخارية التي استخدمت نحو عام 5500 قبل الميلاد. وفي نحو عام 2600 قبل الميلاد ازدهرت تلك الحضارة وكونت العديد من المستوطنات والمدن التي ضمت الآلاف من السكان الذين عملوا في الزراعة وهي تعتبر أول حضارة مدنية في التاريخ وأول حضارة عرفت فن التخطيط المدني والإدارة البلدية والحكومات البلدية التي اهتمت بالصحة العامة وكانت شوارع تلك المدينة تقود إلى شبكة خطوط منظمة بدقة متناهية أشبه بمدينة نيويورك الآن ومنازل حميت من الضوضاء والروائح واللصوص ونظم ري للحصول على مياه نقية صالحة للشرب من الآبار ونظم للتخلص من المياه الفائضة التي كانت تجري في مصارف للمياه،ويعتبر الكاتب أن نظم صرف المياه والتي طورت في تلك المدن عبر جميع نواحي إمبراطورية الانديز كانت أكثر تقدما مما يوجد حاليا في مدن الشرق الأوسط وأكثر تطورا من تلك التي توجد الآن في الهند وباكستان،كما أن الآثار تشير إلى وجود موانىء خاصة لإصلاح السفن وبنائها وصوامع لتخزين القمح ومستودعات للأسلحة وأراض صنعت من الحجر وجدران محمية وقلاع مدن الانديز حمتها من الفيضانات والمهاجمين.و يظهر أن معظم سكانها كانوا من التجار والحرفيين الذين عاشوا مع الآخرين في نفس المواقع مع جيرانهم،كما أن شعب وادي الأنديز كان قد وصل إلى قمة التقدم العلمي خاصة في مجال قياس الأطوال والوقت والكتل كما أنهم عشقوا الفنون خاصة الرقص والرسم والنحت حيث وجدت العديد من المنحوتات والمجوهرات الذهبية والتماثيل من طين التراكوتا . وفي حوالي عام 1900 قبل الميلاد بدأت علامات الانحدار وبدأ السكان يهجرون المدن وهؤلاء الذين بقوا عانوا من سوء التغذية ومع عام 1800 قبل الميلاد تقريبا كانت جميع المدن قد هجرت وعقب انحدار تلك الحضارة ظهرت حضارات أخرى أخذت منها الكثير وبدا تأثير حضارة الانديز عليها واضحا مع حالات هجرة واسعة إلى شمال الهند فيما يعرف بالهجرة الاندو -آرية في حين يري الكاتب أن السبب يرجع إلى تغيرات المناخ حيث تعرضت الحضارة في عام 2600 تقريبا لموجات من الجفاف وفيضانات حيث حرم السكان من الزراعة واضطروا للقنص إلى أن استنفدوا الموارد البيئية المتاحة. كما يكتب عن حضارة ما بين النهرين دجلة والفرات والتي كانت تشكل جزءا من العراق وسوريا وهي تعد واحدة من أقدم الحضارات في التاريخ مما جعلها تسمى بمهد الحضارات منها الحضارة السومرية والبابلية والآشورية . ثم يستعرض حضارة ميسو أمريكا وهي المنطقة الممتدة من وسط المكسيك إلى الحدود الشمالية الشرقية لكوستاريكا والتي شكلت مجموعة من الطبقات والحضارات الزراعية المرتبطة التي ظهرت قبل نحو 3000 عام من الغزو الأوروبي لما سمي بالعالم الجديد على يد كريستوفر كولومبوس. وتلك الحضارة تستخدم بشكل عام لوصف مجموعة من الثقافات الكولومبية وإلى منطقة بيئية احتلتها أنواع من الثقافات القديمة التي تشاركها معتقداتها الدينية وفنونها ومعمارها وأدواتها التكنولوجية التي جعلتهم استثناء في الأمريكتين لمدة ثلاثة آلاف عام وبعض الميزات المميزة التي يشارك فيها سكان تلك الحضارة تتضمن استخدام الموقد الحجري وبعض الأنواع من خشب الصندل أو الخف والزراعة المعتمدة على الذرة وعبادة مجموعة من الآلهة منها آلهة المطر والشمس وآلهة مكسوة بالريش يعرف لدى شعب الازتك (كويتزالكوتال). وقد استخدموا نظم الحساب والكتابة وخليطا من اللغات وقد انشق منها حضارات الازتك والمايا وحضارة الانكا والتوليتنية وتوصف أيضا بأنها حضارة أمريكا الوسطي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.