الأقمار الاصطناعية، وأشهر فيلم ملحمي في التاريخ، يقف خلفهما رجل واحد.. مهندس وعالم ومؤلف بريطاني يدعى آرثر سي كلارك.. ولد في ديسمبر1917 وتعلق منذ طفولته بقصص الفضاء والخيال العلمي.. ألف أكثر من مئة رواية علمية ويعتبره النقاد أحد أعظم ثلاثة رواد في هذا المجال (بجانب إسحاق أسيموف وروبرت آنسون).. تتعلق معظم رواياته بعالم الفضاء ومخلوقات الكواكب الأخرى، وكتب عام 1968 رواية (أوديسيا الفضاء 2001) التي تحولت إلى فيلم يحمل نفس الاسم للمخرج العملاق ستانلي كوبريك. غير أن عمله الأهم يبقى ابتكاره فكرة الأقمار الاصطناعية التي قدمها كمشروع اتصالات أثناء عمله كمهندس في سلاح الجو البريطاني.. ففي نهاية الحرب العالمية الثانية اقترح نشر أقمار اصطناعية تدور حول الكواكب وتعكس الاتصالات في نفس اللحظة لكافة أنحاء الأرض.. غير ان مشروعه رفض باعتباره خياليا أكثر من اللازم - ناهيك عن عدم ظهور فكرة الصواريخ الفضائية اللازمة لحمل الأقمار الاصطناعية فوق الغلاف الجوي. غير أن فكرة كلارك (الذي استقال من عمله وانتقل للعيش في سري لانكا) بدأت تصبح مقبولة بالتدريج مع إطلاق الصواريخ وتقدم المشروعات الفضائية. وفي أكتوبر1947 فاجأ الروس العالم بإطلاق (سبوتنيك1) أول قمر اصطناعي في التاريخ؛ وحينها فقط أدرك الغرب أن كلارك كان محقا قبل أحد عشر عاما.. ورغم أن القمر الروسي لم يبق في مداره سوى شهرين (حيث تسبب انحراف بسيط في دخوله المجال الجوي واحتراقه فيه) إلا أنه قدم معلومات مهمة عن طبقات الجو العليا وكيفية عكس موجات الاتصالات ناهيك عن بدء سباق فضائي محموم بين روسيا وأميركا لم ينته بهبوط أميركا على سطح القمر عام 1969.. واليوم تملك أميركا أكثر من 600 قمر اصطناعي وروسيا 161 والصين 152 وبريطانيا 44 والهند 34 في حين تملك دول وشركات كثيرة أكثر من قمر خاص بها وحدها.. وفي الإجمال يوجد حاليا أكثر من 1430 قمرا اصطناعيا تحيط بالأرض وتقدم خدمات تتراوح بين الاتصالات وتحديد المواقع، إلى التجسس وتصوير المنشآت وتوجيه الطائرات (بدون طيار).. وخلال ستة عقود فقط أصبح وجودها أمرا لا يمكن الاستغناء عنه (سواء للإعلام والتجارة والقطاع المدني، أو الملاحة والتوجيه والقطاع العسكري) لدرجة ستتوقف كثير من التقنيات التي نألفها اليوم في حال توقفها عن العمل.. المفارقة أن بريطانيا التي رفضت مشروع كلارك يعتمد اقتصادها اليوم على الأقمار الاصطناعية بنسبة 67%.. أما في أميركا فيقدر أن 1,6 ترليون دولار من إيرادات الشركات يأتي بطريقة أو بأخرى من الأقمار الاصطناعية - التي أصبح بعضها يطلق من قبل شركات خاصة. الجميل، أن آرثر كلارك (الذي تنبأ أيضا بظهور شبكة الإنترنت ووصولها لمرحلة الاستقلالية والوعي الكامل في رواية الوليد المرعب) عاش ليرى ثورة الأقمار الاصطناعية التي تنبأ بها قبل وفاته في سري لانكا عام 2012.. .. بقي شيء فاتني ذكره مند البداية: آرثر كلارك تنبأ أيضا بوصول مخلوقات فضائية إلى كوكب الأرض عام 2030