تواصل أمس الأربعاء التحقيق في ملابسات الاعتداء الإرهابي الذي حصل قبل يومين في كنيسة تقع في منطقة النورماندي الفرنسية وأدى إلى مقتل كاهن وإصابة مسيحي ظل أمس بين الحياة والموت. وإذا كان مرتكباً الهجوم قد قُتلا بدورهما أمام الكنيسة من قبل قوات الأمن الفرنسية، فإن الشرطة القضائية كانت تحقق أمس مع شاب (17 عاماً) يعتقد أنه كان يعرف أحد مرتكبي الهجوم على الكنيسة والذي كشف المدعي العام عن هويته مساء أمس الأول ويدعى عادل كرميش. المسلمون يحذّرون من محاولات «داعش» تأليب الفرنسيين على بعضهم وكان هذا الشاب في التاسعة عشرة من العمر وقد اقتحم مع شاب آخر صباح أمس الأول كنيسة كاثوليكية في بلدة "سان إيتيان" الواقعة في منطقة النورماندي وقتلا بالسلاح الأبيض كاهناً يدعى جاك هاميل يبلغ من العمر السادسة والثمانين وأصابا احد زائري الكنيسة بجروح خطيرة واحتجزا خمسة أشخاص وقد تمكنت راهبة من الخروج من الكنيسة وإبلاغ قوات الأمن بما كان يجري فيها فسارعت إلى تطويقها، وعند خروج المعتدين منها أطلقت قوات الأمن عليهما النار فقتلتهما وقد تبنى تنظيم "داعش" الاعتداء بسرعة. وأفاد التحقيق أنه عثر مع الشابين القتيلين حزام ناسف وهمي وإن كان يحمل سواراً من تلك التي يحملها الخاضعون للرقابة الأمنية من المتهمين بالانتماء إلى "داعش"، كما أفاد التحقيق أن أحمد عادل كريمش الفرنسي الجنسية حاول الذهاب مرتين اثنتين إلى سوريا للالتحاق بصفوف "داعش" وقد أوقف مرة أولى في ألمانيا في شهر مارس عام 2015 وأوقف مرة ثانية في تركيا في مايو من العام ذاته وأودع السجن من جديد في فرنسا، ولكن القضاء قرر الإفراج عنه في شهر مارس الماضي في انتظار محاكمته. من جهة أخرى، تركز الاجتماع الدوري الأمني الذي يشرف عليه رئيس الدولة فرانسوا هولاند والذي عقدت صباح أمس دورته الخامسة على سبيل تعزيز حماية المنشآت المهددة بالخطر الإرهابي أكثر من غيرها. وشارك في الاجتماع إلى جانب الرئيس، رئيس الوزراء ووزراء الدفاع والأمن والعدل، وكان الرئيس هولاند قد افتتح نشاطه بالأمس باستقبال ممثلي الديانات الإسلامية والمسيحية واليهودية والبوذية. وقال دليل بوبكر عميد المسجد الكبير في باريس: إنهم أعربوا كلهم خلال اللقاء مع رئيس الدولة عن رغبتهم في أن تتخذ إجراءات خاصة لمراقبة أماكن العبادة تحسباً لأعمال إرهابية جديدة قد تستغل لمحاولة تأليب الفرنسيين بعضهم على البعض الآخر. الملاحظ أن غالبية ممثلي الديانات الذين استقبلهم الرئيس الفرنسي شددوا على ضرورة أن يلتزم أتباع كل الديانات ولاسيما الديانة الإسلامية والديانة المسيحية بالهدوء وضبط النفس والتضامن في هذه الفترة العصيبة التي يسعى تنظيم "داعش" وأطراف أخرى إلى استغلالها لإشعال فتيل حرب بين الديانات. رد فعل الجالية الإسلامية وقد سارع ممثلو الجالية الإسلامية منذ وقوع الاعتداء على الكنيسة إلى إدانة الاعتداء والإعراب عن حزنهم وغضبهم وتضامنهم مع المسيحيين ولاسيما الكاثوليكيين الذين كان القس القتيل أحدهم وكان يجسد بحق كل المبادئ والقيم التي تتقاسمها الديانات السماوية وأهمها التضامن والتآزر والتعايش. وفي هذا الإطار أكد إمام مسجد بلدة "سان إيتيان دو روفري" محمد كرابيلا أن الكاهن القتيل كان صديقه وأنهما كانا حريصين منذ ثمانية عشر شهراً على المشاركة في اجتماعات للدعوة إلى التعايش بين مختلف اتباع الديانات السماوية وغير السماوية، وأكد أن مسجد البلدة التي قتل قسها على يد شابين في الهجوم الداعشي كان قد أقيم على قطعة أرض تبرعت بها الكنسية الكاثوليكية. أما أنور كبيبش رئيس مجلس الديانة الإسلامية الفرنسي، فإنه أكد أمس في حديث لإذاعة ّ "فرانس إنفو" إن معركة المسلمين والمسيحيين ضد التطرف والعنف والإرهاب واحدة، وقال متحدثاً عن شعور مسلمي فرنسا بعد الاعتداء على الكنيسة وبعد قتل كاهنها "نحن كلنا مع المسيحيين في فرنسا". وطالب الدولة الفرنسية بمساعدة رجال الدين المسلمين في فرنسا على مواجهة الأفكار المتطرفة التي يسعى تنظيم "داعش" إلى التمكين لها عبر وسائل التواصل الاجتماعي لأن غالبية مرتكبي الاعتداءات الإرهابية في فرنسا وبلدان أوروبا الأخرى لا يعرفون قواعد الإسلام ولا يؤمون المساجد. غوانتنامو فرنسي وبالرغم من أن الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند ظل يردد منذ حصول اعتداء نيس في الرابع عشر من شهر يوليو الجاري على ضرورة التزام الطبقة السياسية الفرنسية بالوحدة والتضامن للتصدي للإرهاب، فإن الجدل استمر بالأمس حاداً لدى الأحزاب السياسية المنتمية بشكل خاص إلى المعارضة حول سبل التصدي بشكل أفضل ل"داعش". وترى الحكومة الفرنسية أن اليمين التقليدي واليمين المتطرف يسعيان إلى توظيف آلام الفرنسيين ومخاوفهم لأغراض انتخابية لا ترقى إلى مستوى التحديات الحالية المطروحة أمام فرنسا والفرنسيين. ومن مطالب اليمين التقليدي والمتطرف في فرنسا واحد يراد من ورائه إقامة معتقل يشبه معتقل غوانتنامو الذي أقامته الولاياتالمتحدةالأمريكية بعد اعتداءات الحادي عشر سبتمبر. ولكن غالبية المتخصصين في الإرهاب وسبل التصدي له يرون أن هذا المقترح غير مجد وأن الوقوف صفاً واحداً أمام "داعش" وتطوير آلية جمع المعلومة على المستوى الوطني والأوروبي والعالمي حول الإرهاب وتقاسمها شرطان أساسيان من شروط النجاح في الحرب على هذا التنظيم وعلى التنظيمات الإرهابية الأخرى. محمد كرابيلا إمام مسجد بلدة «سان إيتيان دوروفري» أسقف باريس الكاردينال «أندريه قان تروا»