تشجيع الشباب على ممارسة الرياضة خلال الإجازة يعد إحدى وسائل استثمارها أكثر من أربعة أشهر في جو قائظ الحرارة وأيام تمر بطيئة، نهارها نوم ومساؤها سهر طويل، حتى اولئك الذين سافروا الى خارج المملكة او حتى الى ربوعها في الداخل لن يتعدى سفرهم ربع المدة أي حوالي الشهر ثم يعودون وقد تبقى الكثير من ايام الاجازة والكثير من الملل الذي يعاني منه الاهالي اكثر مما يقاسيه الابناء. هذه الحالة تطرح وبقوة غياب مفهوم ثقافة الاجازة، هذا الغياب الذي يفتح الكثير من الابواب ويطرح الكثير من الاسئلة ويقفز بالضرورة الى الكثير من الاستنتاجات، فهل حقا نحن لا نعرف معنى الاجازة، ام انها اكتسبت لدينا معنى آخر ينبغي العمل على تغييره والبداية من جديد بفكر مختلف وذهنية اكثر تحضرا وجاهزية؟ "الرياض" بدورها استطلعت رأي العديد من ذوي الصلة بقضية التحقيق للوقوف على الأسباب ومعرفة أجدى السبل لحل المشكلة. ايام متشابهة اسرة الموظف عبدالله السبهان تعاني كغيرها من الأسر من هذه الاجازة الطويلة فالأم لا يعجبها حال الابناء الذين انقلب يومهم نهاره ليلا وليله نهارا، ولا تكاد كلمة "طفش" تغادر افواههم، وتقريبا لا يوجد نشاط واحد مفيد يقومون به، تخبرنا الام عن كل هذا قائلة: اعرف انها شكوى عامة وتجتمع كل الامهات على فحواها وتقريبا لا يوجد بيت لا يعاني من انقلاب الاحوال فالصباح ليس صباحا وتقريبا ينساه الابناء ايام الاجازات ففيه يكون النوم الطويل، وفي المساء تبدأ الحركة ولكنها ليست حركة طبيعية فإما مع الجوالات والاجهزة الذكية وإما مع التلفاز، وفي كل الحالات لا نشاط ولا فائدة واذا ما اقترحت عليهم القراءة او لعب الرياضة اقابل بالسخرية والاستهجان فلم يعد لمثل هذه الاشياء موقع في يوميات الاجيال الجديدة. البنات اعتبرن السؤال عن الاجازة وكيفية تمضية الوقت فيها سؤالا لا محل له من الاعراب، وتقول العنود: ننام وننهض نتواصل اجتماعيا ونلعب "كاندي كراش" ويمكن ان نصنع بعض وصفات الكيك في المطبخ ونشاهد الكثير من الافلام ونأكل كثيرا من الحلويات والاطعمة السريعة ونزداد وزنا، هذه هي الاجازة. اما الشاب سعد فقال: الإجازة بالنسبة لي مطاعم وجبات سريعة وسهر وجوال وممكن أن ألعب الكرة وكثيرا من الشجارات مع الاصحاب وطبعا لا وجود للنهار في الاجازة اصلا الا حين الرجوع للبيت مع بداية بزوغ الشمس كل يوم. مراكز صيفية السيدة خولة -مشرفة على احد المراكز الصيفية للبنات - تستغرب كثيرا من عدم اقبال الامهات على هذه المراكز التي تقدم عددا كبيرا من الانشطة التي تنمي وتوسع مدارك الفتيات خلال اجازة الصيف الطويلة، مضيفةً: لدينا اركان للقراءة والرسم والتلوين وتحفيظ القرآن الكريم والاشغال اليدوية ولدينا مسابقات وانشطة ترفيهية والعاب تفاعلية وكلها انشطة من شأنها تقديم المتعة والفائدة للبنات والاولاد الصغار، ويوجد للاولاد الكبار انشطة مماثلة في مراكزهم الصيفية داخل المدارس او بيوت الشباب فلماذا لا يقبل الاهالي على تسجيل ابنائهم والاستفادة من كل هذه الانشطة بدلا من الشكوى؟ من جانبها ترى ام نايف أن هذه الانشطة تبدأ في الصباح وتنتهي عند الظهر وهي فترة لن نجد فيها من يستيقظ ويقوم وينشط ليلعب ويستفيد، فمعظم الابناء لا ينامون الا بعد الفجر فكيف يمكن ان يستيقظوا ويتحمسوا ويواصلوا، ناهيك عن ان فترتها قصيرة ايضا لا تتعدى الثلاثة اسابيع ثم تعود ريما لعادتها القديمة، الامر بحاجة الى ما هو اكثر من هذه المحاولة المكررة ويحتاج دراسة حقيقية لاحتياجات الابناء اثناء العطل الدراسية الطويلة وامكانيات الاباء للاستفادة من الخدمات المقدمة وفق الظروف المتاحة فمجتمعنا له طبيعة خاصة لا يمكن ان يفصل فيها بين ظروف رب الاسرة وامكانياته في الحركة والخدمات المقدمة للابناء، فمثلا طريقة وصول الابناء للمراكز الصيفية وتوقيت الذهاب والعودة ينبغي ان يتم ربطه بظروف الاب والا لن يستطيع الابناء ان يستفيدوا من أي شيء. ومن جهة اخرى تقول ام يسرى عن المراكز الصيفية الخاصة : 1500 ريال اسبوعيا ثمن انضمام طفل صغير الى مركز صيفي خاص هذه مشكلة كبيرة جدا، هل ادفع اربعة الاف ونصف اسبوعيا لاطفالي الثلاثة حتى يمضوا وقتا ممتعا؟ مضيفة احيانا اقول لا بأس على الاقل يستمتع الصغار بمسبح وتمارين واشراف تعليمي ترفيهي رياضي ولكن في احيان اخرى اجد ان الامر فوق المنطقي ولا مبرر له ولكن ايا كان القرار فان الاجازة ايام صعبة للغاية ومرورها الثقيل يورث الاطفال مللا والاهالي حنقا وغضبا ونحتاج حقا الى تفكير خارج الصندوق للاستفادة من كل هذا الوقت الثمين. مفهوم خاطئ ام قصي تضع يدها على جوهر المشكلة الصيفية المتكررة فتخبرنا بكثير من العمق ربما المبالغ فيه: كل هذه الشكاوى سببها عدم وجود احترام للاجازة السنوية او للوقت بوجه عام، نحن نتعامل مع الاجازة على انها عطلة بمعنى تعطل كل شيء كالاستيقاظ والعمل والاستفادة والافادة والانجاز والاستمتاع، مردفة انه بالنسبة لمعظمنا الاجازة وقت ضائع بالجملة نوم وخمول وملل، حتى اننا نستهجن فكرة ان نمارس شيئا مفيدا في الاجازة، فاذا ما طلبت من ابنك ان يقرأ كتابا اخبرك بدهشة انه في اجازة واذا رغبت منها ان تمارس التمارين الرياضية قالت بخمول انها اجازة. وتضيف ام قصي يفترض ان يخطط الناس لاجازتهم قبلها بفترة كافية، فيجتمع افراد الاسرة ويقرر الكبار كم كتابا ينبغي ان يقرأ وكم كيلوغراما ينبغي ان ينزل من وزنه وكم عملا ينبغي ان ينجز وماذا عليهم ان يتعلموا من لغات او حفظ قرآن او شعر او اخذ دورات مفيدة في الحاسوب او المهارات اليدوية وغيرها، مشيرة بان على الاهل ان يضعوا "اجندة" عمل لابنائهم خفيفة ظريفة تحمل المتعة والفائدة بتوازن كامل، كأن يستيقظوا في وقت معتدل لا هو مبكر كايام الدراسة ولا هو متأخر كما هو الحال الان، وان يمارسوا الرياضة ويتناولوا وجبات متوازنة ان يدرسوا لغات ان يشاهدوا افلاما ويتناقشوا في محتواها معا، ان يقرأوا كتبا ويفتحوا نقاشا حول مضمونها ان يحفظوا كلمات اجنبية بواقع خمس او عشر كلمات يوميا، والاهم تخصيص وقت محدد بعدد معين من الساعات للاجهزة الحديثة لا تزيد مثلا عن ساعتين متفرقتين يوميا فمن هذه النوافذ الالكترونية يأتي التطرف مخبوءا في رسائل غير مباشرة في لعبة او محادثة وعلى الاباء والامهات عدم ترك اولادهم وشأنهم ولكن بدون وصاية ظاهرة، ناصحة بقولها: اسحبوا ابناءكم نحوكم بطرق ذكية دون اوامر وبطرق مبتكرة مليئة بالمرح والحب والتحدي وبهذا يمكن ان تكون اجازة مفيدة ومثمرة وخالية من الطفش. تجارب رائدة بحثنا في مواقع غربية عن طرق قضاء الطلاب الاجانب لاجازتهم الصيفية فوجدنا بعض العلامات الجيدة التي يمكن ان يسترشد بها مسؤولونا والاهالي والطلاب ايضا، فعلى مستوى الدولة قلصت معظم دول العالم طول الاجازات الصيفية كثيرا واستبدلتها باجازات اقصر اكثر طيلة العام الامر الذي يتيح للطلبة استرخاء محدودا بين الوقت والاخر لا يؤدي للكسل والنسيان. أما على مستوى الطلبة والاهالي فوجدنا افكارا من مثل معادلة الوضع الدراسي القائم على الجلوس لفترة طويلة عبر الاشتراك الفوري في الانشطة الرياضية بالذات العنيفة منها كالمصارعة اليابانية "نينجوتسو" مرة كل أسبوع للمحافظة على اللياقة العالية، ومن أجل التعرف على بعض الأصدقاء الجدد، وهذه الرياضة ضمن 800 نوع من انواع الرياضة يقدمها المركز الرياضي التابع للجامعة التقنية في برلين للطلاب بأسعار رمزية. اما في اميركا فيبدأ معظم الطلاب في التخطيط لمستقبلهم بمجرد التحاقهم بالجامعة، ويستغلون الإجازات الصيفية لتحقيق هدف يخدم الدراسة والعمل في المستقبل فيبدأ الطلاب في البحث عن منح الدراسة في الخارج والتسجيل لبرامج التبادل الطلابي، بينما يحرص آخرون على العمل كمتدربين في مراكز البحوث والمؤسسات الحكومية والخاصة في الصيف، حيث يكتسبون خبرة عملية تساعدهم كثيرا على إدراك طبيعة سوق العمل وهم لا يزالون طلابًا في الجامعة، كما يحصل المتدرب على راتب رمزي يساعده على الإقامة والسفر خلال أشهر الصيف. غياب الوعي بضرورة تخطيط الأهل لاستثمار أبنائهم للإجازة يدفع الأبناء لممارسات مرفوضة المراكز الصيفية وحدها لا تفي بالغرض