علي الغامدي عندما ينسكب الشعر بتراتيل الجمال وثراء اللغة وأناقة العبارة فلابد من التسليم أننا أمام نموذج فريد وإبداع مبهر.. شاعرنا خرج على المسيرة الروتينية التي سلكها كثير من شعراء الزمن الحالي واستطاع أن يرتقي بنا للمناهل العذبة والرصانة والجزالة، وتفرد بالجمع بين الحديث ورونقه والقديم وعبقه فاستطاع أن يوظف لغة الأصالة التراثية في نسق التجربة الحديثة و هندسها في باقة شاعرية تروي وتطرب مختلف الأذواق والأعمار. دعونا نستأذن شاعرنا بالدخول إلى عالمه ونستمتع بهذا الجمال الشعري والسحر اللغوي: الحب هو لغة صادقة أبدع في وصفها الشاعر فكتب بقلبه قبل قلمه وسطر أعذب الأبجديات في الحب والمشاعر الإنسانية في هذه الرائعة ينادي ملهمته بنداء تعلوه نبرة وجد وحنين يصاحبها وصف لحالة الشاعر بعد هذه الغيبة، فخرجت لنا هذه الدرر واقتبسنا منها هذه الأبيات، يقول: يا غايبه صبري من العام مقتول في غيبتك كل المشاعر تناديك يا حول من غيبة شهر كنها حول كم لي ما قال لساني: الله يحييك لا من لقيتك من بطى ودي آقول ليه الغياب اللي فطر كبد مغليك؟ ما أروع هذه اللحظات عندما يتم اللقاء ويحلو الهمس ويتراقص الحرف؛ هنا يوجه الشاعر الدعوة المفعمة بالإحساس والود.. يريد أن يبوح لها بماذا..؟؟ في كل ساعة من الأيام تجمعنا ودي أقول إلك كلمه بيني وبينك تعااال، قرب لا أحد يفطن ويسمعنا يا زين الأيام في قربك، ويا زينك قمة الوفاء عندما يقطع الأمل والرجاء بالتواصل بين المحبين، وبالرغم من ذلك مازال شاعرنا بقلبه الكبير يحمل بين جوانبه الحب والوفاء لها فيقول: مات اللقاء.. والحب لا الحين ما مات في خافقي والشوق مصدر عذابه يسحب على مدهال الأحباب خطوات يعاني ظروفه ويشكي مصابه شاب وبقى واقف على أبواب الأوقات في كل مطلع يوم يبكي شبابه حظه من الدنيا نهاية متاهات غربة غريبه في زمن لا غرابه وأصعب إحساس هو اليأس الذي يلفه الأمل وقد صوره الشاعر بمنتهى الاتقان واستخدم الخيال الخصب في بيتين يزنان بثقلها قصائد عندما قال: غابت بشاير جيّتك والريح قفّت بالغمام والصبر مني لا متى، والصد منّك لا متى البرد يجتاح المشاعر كل ما حلّ الظلام أغمرني بدافي حنان الروح في ليلة شتا أما الفراق فهو اللحظة التي يخرج فيها الحب من دائرة النشوة والسعادة إلى دائرة الألم والالتياع وكعادته مبدعنا رسمها في لوحة بيانية رائعة عندما قال: من لوّحت كفك ترديت مجروح وتترجمت كل العبارات عبرات كل إتجاهك وجهة القلب والروح وغير إتجاهك ما عرفت اتجاهات ولا هو مهم اليوم أنا وين باروح كل الدروب اللي تودي متاهات والرضا بالقليل خير من ترك الكثير هذا ما أدركه الشاعر وصبه في قالب شعري بديع ليعبر عن الرجاء والأمل بالوصل وبأسلوب شاعري مؤثر ومبتكر: صحيح يا زين الوصل وأما الهجر ماله لزوم الوصل نورٍ يجلي الظلماء ليا منه سطع أجيك مره فالشهر ما هو بلازم كل يوم يعني قليلٍ مستمر ولا كثيرٍ منقطع ومن روائعه المعبرة والمفعمة بالحكمة والصدق قوله: يا كثر مالي في فجوج الأرض من ربع وصديق ويا كثر ما أنغشيت في بعض الرجال ومعدنه بعض العرب لو هو من أقصى الناس ودك به رفيق وبعض العرب لو هو ولد عمك تبي الفكه منه! ولم يُغفل شاعرنا مقولة: أن الشاعر لسان مجتمعه والمُعبر عن همومه وشجونه، فتدفقت مشاعره وتنوعت أغراض الشعر لديه وتعددت المواضيع التي طرقها بين مدح وسياسة ووطنيات وقصائد اجتماعية، وإن كان الشعر الوجداني هو الطاغي في تجربته الشعرية.