في مقال سابق بهذه الصحيفة، بعنوان «ما مدى جاهزية المجتمع السعودي لرؤية المملكة 2030، تساءلت عن مدى جاهزية المجتمع السعودي للتعامل مع رؤية المملكة الطموحة 2030، في ظل أن نسبة من أفراد المجتمع لا يحترمون أنظمة حياتية وأعرافا وقوانين محلية وضعتها الدولة للارتقاء بأداء المجتمع وضمان تحقيق حياة سعيدة وكريمة لأفراد المجتمع السعودي بتركيبته الديموغرافيا الموزعة بمناطق المملكة الإدارية الثلاث عشرة. وذكرت بذات المقال بعضاً من الأمثلة المرتبطة بعدم احترام أفراد المجتمع السعودي للأنظمة وللقوانين المنظمة لحياتهم، التي من بينها على سبيل المثال لا الحصر، نظام المرور، وكيف انعكس ذلك سلباً على أداء المجتمع ككل، وتسبب في حدوث خسائر فادحة على المستويين المجتمعي والوطني. وهناك العديد من الأمثلة التي لم يتسع المقال لذكرها بسبب محدودية المساحة، وبالذات تلك التي ترتبط ولها علاقة مباشرة بالمحافظة على سلامة صحة المواطن والمقيم في المملكة. فعلى سبيل المثال نتيجة لأسلوب حياة Lifestyle معظم الأسر في المملكة، تفشت الأمراض المزمنة بين المواطنين مثل أمراض ارتفاع ضغط الدم، والسكري، والكليسترول، وأمراض الشرايين والقلب، حيث على سبيل المثال فاقت الإصابة بمرض السكري في المملكة نسبة 25 في المئة من السكان والتي وضعت المملكة وصنفتها من بين أعلى دول العالم من حيث إصابة مواطنيها بمرض السكري طبقاً لمعايير منظمة الصحة العالمية WHO، وبالذات حين ربط تلك النسبة بتقديرات محتملة بالارتفاع، نتيجة لما ذكرت بسبب أسلوب الحياة في المملكة وأسباب أخرى ترتبط بذلك مثل السمنة، حيث على سبيل المثال يُعاني نحو 35.5 في المئة من أطفال المملكة من السمنة، والذي يتسبب في اصابة نحو 4 في المئة من الأطفال بالنوع الأول من مرض السكر. هذا وبحسب الاتحاد العالمي لمرض السكري، فإن السعودية تحتل المركز الثاني عالمياً بالنسبة للإصابة بالمرض، وهو ما يهدد نحو 4 ملايين شخص في المملكة بالإصابة بالمرض، والذي بدوره سيكلف خزينة الدولة ما يزيد عن 11 مليار ريال سنوياً للإنفاق على العلاج والأدوية. وما يعزز من مصداقية تلك الأرقام وصحتها، أن مرض السكري يُعد ثاني مرض يموت بسببه السعوديون بعد حوادث الطرق. رؤية المملكة 2030، تنبهت لهذا الخطر الصحي الداهم وغيرها من الأخطار الصحية وغير الصحية (مثل المخدرات وحوادث السير والطرقات والجريمة وغيرها) التي تحدق بأفراد المجتمع، وهدفت تبعاً لذلك إلى بناء مجتمع سعودي قوي ومتين عبر تعزيز مبادئ الرعاية الصحية والاجتماعية وتطويرها، إضافة إلى تعزيز دور الأسرة وتمكينها للقيام بمسؤولياتها تجاه الرؤية، وبما يحقق إرساء منظومة اجتماعية وصحية مُمَكنة. برأيي مرة أخرى لأن تحقق رؤية المملكة 2030 طموحاتها المرتبطة ببناء مجتمع سعودي حيوي، فالأمر يتطلب ابتكار وتنفيذ برامج توعية وتثقيف ممنهجة ومخصصة للأسرة السعودية، تُعنى بتوجيههم التوجيه الصحيح والسليم ومساعدتهم على تحقيق أهداف الرؤية ومؤشراتها الاجتماعية المختلفة، التي من بينها على سبيل المثال لا الحصر، زيادة متوسط العمر المتوقع للفرد السعودي من (74) إلى (80) عاماً، والرفع من نسبة ممارسي الرياضة مرة على الأقل أسبوعياً من (13%) إلى (40%). وللأسرة بكل تأكيد دور مهم للغاية في مساندة الرؤية في تحقيقها لأهدافها المجتمعية والأسرية، من خلال التناغم مع تلك الأهداف والتفاعل معها بالجدية المطلوبة، باعتبار أن الأسرة هي النواة الأساسية لأي مجتمع، وبها يَعمر المجتمع ويزدهر ويصبح حيوياً وقوياً وبدونها ينهار وينهدم ولا تقوم له قائمة. ولعلي لا أجد ما اختم به مقالي هذا بأفضل من فحوى حديث جانبي دار بيني وبين معالي الدكتور/ غازي القصيبي (رحمه الله) حول دور الأسرة في بناء أفرادها البناء الصحيح والقويم، وتأكيده يرحمه الله على أهمية ذلك الدور، والذي من خلاله يُمكن تأسيس وإنشاء أسرة سليمة التكوين قادرة على التفاعل مع المتغيرات والمستجدات الحياتية للأفضل، وذلك عبر التربية والنشأة الصحيحة والتوجيه السليم والمتابعة الدقيقة لأحوال الأبناء وظروفهم.