لقي قرار الرئيس الفرنسي الداعي لالغاء جزء من قانون يشيد بالحقبة الاستعمارية في تاريخ فرنسا ارتياحاً كبيراً لدى منظمات حقوق الإنسان ومختلف الاحزاب والفعاليات السياسية والأدبية والفكرية التي خاضت حملة اعلامية قوية في هذا الاتجاه. وقد اتخذ جاك شيراك الليلة قبل الماضية هذا القرار بعد أن تسلم تقريراً في الموضوع من جان لوي دوبريه رئيس الجمعية الوطنية الذي كان قد كلفه قبل عدة أسابيع بالعمل على ايجاد مخرج لما تسميه الصحافة الفرنسية «مأزق الفقرة الرابعة من قانون الثالث والعشرين من شهر فبراير عام ألفين وخمسة» وتطالب هذه الفقرة بضرورة الاشادة بما تعتبره «الجوانب الحسنة» في الاستعمار الفرنسي ولا سيما ذلك الذي طال المستعمرات الفرنسية السابقة خلال القرن التاسع عشر والشطر الاول من القرن العشرين وذلك في كتب التاريخ الفرنسية. وإذا كان اقرار هذا القانون قد تم على نحو لم يكد ينتبه اليه أحد فانه سرعان ما اثار جدلاً حاداً لدى جمعيات حقوق الإنسان وكثير من الأطراف الاخرى التي تأخذ عليه أو بالاحرى على الأطراف التي صاغته وأقرته مآخذ كثيرة منها ان القرار ذو طابع عنصري وانه يندرج مبدئياً في اطار رؤية لا علاقة لها بتلك التي يشاطرها نواب الجمعية الوطنية الفرنسية. بل ان القانون يعيد فتح جراح كثيرة لم تندمل بعد في تاريخ فرنسا الاستعماري. والحقيقة ان القانون قد اثار بعد اقراره العام الماضي - حفيظة شعوب المستعمرات الفرنسية السابقة وقادتها وفي مقدمتها الجزائر، فقد رد الرئيس الجزائري عبدالعزيز بوتفليقة بحدة على القرار الذي عطل مشروعاً كان يسعى إلى انجازه مع الرئيس الفرنسي جاك شيراك ويهدف إلى ابرام معاهدة صداقة بين فرنساوالجزائر من شأنها فتح صفحة جديدة في العلاقات بين البلدين. وامام تعنت نواب الاغلبية الحاكمة واصرارهم على عدم تعديل القانون المذكور اضطر رئيس الدولة إلى اللجوء إلى المجلس الدستوري لالغاء الفقرة المشار اليها في هذا القانون دون المرور بالضرورة عبر البرلمان ومن حق رئيس الجمهورية الاعتماد على هذه الصيغة لتنقيح بعض القوانين. ومن المنتظر ان يلقي الرئيس جاك شيراك يوم الاثنين القادم خطاباً يعلن فيه اعتماد يوم العاشر من شهر مايو من كل سنة يوماً تحتفل فيه البلاد بالغاء الرق. وتجدر الملاحظة إلى أن الاشادة بالاستعمار الفرنسي في القانون الذي اعتمد العام الماضي واحياء الذكرى المائتين لانتصار الامبراطور الفرنسي نابليون بونابرت على الجيوش الروسية والنمساوية اثار إلى حد كبير حفيظة سكان ما يسمى «مقاطعات ما وراء البحار» الفرنسية ومنها «الغوادولوب والانتيبيي» الواقعتين في لمحيط الاطلسي، وينحدر جزء هام من سكان هاتين الجزيرتين من العبيد، وهم يأخذون على بونابرت اعادة الاعتبار إلى الرق ويعتبرون انه من واجب الدولة الفرنسية اليوم الاقرار بأن للاستعمار وجهاً واحداً هو الوجه السيىء وأن المؤرخين وحدهم هم المؤهلون للحكم على الواقائع التاريخية وتقويمها.