لم يذهب الملك عبدالله للصين ليناقش الكتاب الأحمر، أو ثورة الفلاحين، لأن ذلك تاريخ يتعلق بالدولة الآسيوية الكبرى، وإنما ذهب ليناقش، ويوقع اتفاقات تتلاقى مع عصر عبور اقتصاديات العالم إلى كل القارات، مدركاً أن عصر الانتماء لتيار، أو أيدلوجية يسارية، أو اعتماد سياسة تتجه للغرب الرأسمالي، صار من الماضي البعيد، وهنا لا مبرر للخوف أن تأتي هذه الزيارات على حساب الصداقة التقليدية وتداخل المصالح مع أمريكا وأوروبا، بل لو كانت المملكة تعتمد هذا السلوك لرأت بالانفتاح الإسرائيلي على بكين، ودلهي مغايراً لأهدافها، وأيضاً لاعتبرت الخلاف الهندي - الباكستاني مبرراً للقطيعة، وهذا الأسلوب خارج توجهات المملكة لأنها مع مصالحها أينما كانت الخطوط مفتوحة، وهي دولة لا تنحاز، أو تأخذ بتفضيل دولة على أخرى، وإلا لما أصبحت تتجه إلى كل الأمم والشعوب بأهداف واضحة، وقنوات مفتوحة.. أمريكا الجنوبية،مثلاً، ظلت خارج الاهتمام العربي في تنمية المصالح التجارية والاقتصادية لكنها الآن، شأن دول آسيا بدأت تستقطب الغرب والشرق معاً في تنامي اقتصادها وقد تكون محطة قادمة في زيارات الملك عبدالله، والذي على عكس زعماء كثيرين، بدأ زياراته المهمة لأمريكا وأوروبا مما كان له الصدى الإيجابي للتخلص من عقدة أحداث 11 سبتمبر وجعل الرؤية للمملكة تأخذ بعداً استراتيجياً من كل النواحي الأمنية، والاقتصادية والسياسية.. الهند دولة صديقة، حتى لو ظلت محسوبة في عقودها الماضية على المنحى اليساري، لكنها أكبر ديموقراطية تعالج مسار سياستها بحرية مطلقة، وقد كانت من الدول المؤسسة لعدم الانحياز، والرافضة لمصطلح الشرق الأوسط، الذي استبدلته أنديرا غاندي، بشرق آسيا وغربها، وبصرف النظر عن الظنون والشكوك، فهي دولة تؤسس الآن لأن تكون لاعباً أساسياً في العالم، ومن هذا المبدأ سعت المملكة لأن تكون على جدول أعمال هذه الدولة وبنودها الأساسية في فتح مجالات التعاون على مختلف النشاطات، وقد لا يكون التوقيت متأخراً أو متقدماً، لأن لنا عقداً طويلاً مع تلك القارة، ولدينا رصيد هائل من علاقات ثقافية وحضارية في عمق التاريخ والزمن، وندرك أننا كدولة ذات مورد واحد يعتمد على النفط أن نتوجه إلى تعزيز وجودنا بتنويع مصادر دخلنا، والنظر للنفط على أنه سلعة لا تدوم أمام جوع العالم له كطاقة مستنفدة، والملك عبدالله يريد أن يستغل الظرف التاريخي لصعود أسعار النفط كي يكون بوابة عبور لبناء المملكة وعدم اعتمادها على سلعة واحدة، وهو حق طبيعي ومشروع، لكنه لن يأتي على حساب فلسفات سياسية قسمت العالم إلى صديق، وعدو لأننا مع مقولة الحكمة الصينية «لا تهدني السمكة، بل علّمني كيف أصيدها»..