ذلك الزحف البشري الذي اخترق أرض الصين خلف ماوتسي تونغ لكي تعلن سيادة الصين الشعبية بالتزامها أقصى اليسار الشيوعي.. لم يكن ذلك الزحف هو كل المهمات الصعبة التي قام بها شعب بالغ الكثرة في عدد سكانه وبالغ الاتساع في مساحات أرضه ولكنه لقي من المستعمر الغربي أبشع صور التعامل اللاإنساني حتى إن ضحايا الأفيون الذي كان ينشره ذلك المستعمر تلقى جثثهم في الشوارع بكل استخفاف وشاهد الصيني البائس كيف ان كل متع بلاده حتى بعض الحدائق مخصصة لبشرة معينة وانتماء عرقي معين أما هو فمحرم عليه كل ذلك.. ولم يكن المستعمر الغربي بقدراته العسكرية المتفوقة هو كل الغزاة للأرض الصينية فاليابان وكوريا وكل منهما أقل مساحة وسكاناً من الصين مارس غزوات عديدة وحالات اقتطاع متكررة للأرض.. والجيل الأسبق من الصينيين مثلما قرأت في رواية البجعات الثلاث عن مسيرة ماو والحياة قبلها عايش ذلك الجيل سلوكيات تمييز محلية خانقة تعتبر العبودية بعض صورها.. كيف تتخيل كائناً عاش هذه العذابات.. لقد تمسكوا بالشيوعية وهي أكثر مطابقة لهم من الروس حيث بواسطتها يسهل أن توزع رغيف عيش بين أربعة أشخاص وأن تكون التغذية والمسكن والعمل مسؤوليات حكومية لأعداد تقدر بمئات الملايين ومع ذلك فإن الذين حكموا الصين باسم الشيوعية سابقاً لم يكن يهمهم تواجد صورة ماركس في كل صالون وميدان بقدر ما كان يهمهم توفير الحياة الكريمة للمواطن الصيني.. بحثوا عن ذلك عند ماركس وعندما وجدوا شيوعية صالحة للاستعمال في زمن محدود، فإن المغالاة في انتهاجها لم يحتج التخلص منها ثورات دموية مثلما يحدث في العالم العربي.. هنا المذاهب والانتماءات السياسية تفصل لمصلحة الأشخاص القادة.. هناك العكس فمادام ان منفعة المواطن الصيني والاقتصاد المحلي يحتمان انفتاحاً على الرأسمالية.. فلماذا لا.. تماماً مثلما كانت الشيوعية ممارسة صينية لوضع صيني خاص فإن الرأسمالية لم تحول بكين إلى ولاء أعمى للغرب وإنما جرعات تم تمريرها على الحياة المحلية التي ستبقى محتاجة إلى الانضباط الاشتراكي.. لكن باشتراكية تطوير الرأسمالية المحلية.. الصين التي بلغ بها الاكتظاظ السكاني أن فرضت وجود احياء سكانية في معظم عواصم العالم وأهمها وتعامل باحترام تام عرفت كيف تخرج إلى أسواق العالم ايضاً بالصناعات الصينية الرخيصة التكاليف للغاية وفي نفس الوقت الرخيصة السعر خادشة كبرياء الدولار واليورو.. من حكموا الصين بعد ماو لم يفكروا بأنفسهم ولكنهم فكروا ببلادهم بمواطنهم ولهذا فقد اختاروا التدرج الاقتصادي والدخول إلى الرأسمالية بهوية صينية خاصة، إذ مازال الرغيف يحتاج إلى قسمة عادلة رغم أن مواقع تسليات الشباب في بكين توحي لك أنك داخل ترف أوروبي..