في الجزء الثالث من تحقيقاتنا الميدانية عن مدينة الملك عبد الله الاقتصادية الواقعة في محافظة رابغ زرت مصنع أسمنت العربية والمعهد المهني الخيري والتقيت بمحافظ رابغ وعدد من رجال الأعمال الذين يتأهبون لضخ استثماراتهم في الصرح الاقتصادي العملاق: لم تكن زيارة منشأة صناعية دون إجراءات بيروقراطية مسبقة بالأمر السهل فقد رفض مدير المصنع في البداية فكرة الزيارة والتصوير ولكن المهندس منصور بن عبد الرحمن السحيمي عضو مجلس الإدارة والمدير العام لشركة الأسمنت العربية تجاوب فور وصوله إلى جدة من الخارج وأجرى اتصالاً بمدير المصنع أقنعه فيه أن مهمتنا هي إبراز الجوانب الإيجابية لأحد المصانع التي انفق عليها مليارات الريالات وهي أحد دعائم التنمية في محافظة رابغ فالمصنع يعمل به 750 عاملا نسبة السعوديين منهم عالية وينتج المصنع 8500 طن من الأسمنت يومياً وسوف ترتفع طاقته إلى 11500طن بعد تشغيل الفرن الجديد وهو الفرن الخامس وفق أحدث المواصفات العالمية ويتوقع المراقبون أن المسافة التي تفصل المصنع عن مدينة الملك عبد الله الاقتصادية (4 كم) ستجعل مجلس إدارة الشركة يدرس القيام بتوسعات كبيرة وضخمة لزيادة إنتاجه في حالة تأكد الدراسات التسويقية أن الشركات المنفذة للمدينة سوف تطلب احتياجاتها الضخمة من الأسمنت من مصنع رابغ أو على الأقل أن تضعه في قائمة الموردين نظراً لقرب المسافة وجودة إنتاج الشركة المعروف عنها. ورافقنا في الزيارة المهندس عبد الله الجبرتي الذي أوضح أن السعوديين أصبحوا يفضلون العمل الفني عن العمل الإداري ويرجع ذلك لرغبتهم في اكتساب الخبرة وعدم الجلوس في المكاتب ولسياسة الشركة في وضع الحوافز للأعمال الفنية الميدانية، وقال الشاب مشعل الشيخ لذي يعمل مع زميله حسن النعماني في غرفة الكنترول للتحكم في العمليات الإنتاجية إن الأنظمة الحديثة لتشغيل المصانع جعلت عملية السيطرة على العمليات الإنتاجية تتم بصورة مرنة وبشكل انسيابي دون حدوث أي عقبات تذكر. كانت الهمة والنشاط اللذين يتمتع بها الأستاذ عبد الله حسن العصلاني مدير المعهد المهني الخيري تذكرنا بمدراء المدارس الذين يحرصون على كل صغيرة وكبيرة من اجل تفوق طلاب مدارسهم وقال في لقائنا به إن احد المحسنين تكفل ببناء هذا المعهد الذي كان مقره السابق احد البيوت الشعبية وتأسس عام 1415ه وأشار إلى أن هذا المحسن لا يزال ينفق على عملية تشغيل المعهد الذي يقوم بتخريج 45 طالياً سنوياً في ثلاث تخصصات هي الحاسب الآلي والتمديدات الكهربائية وميكانيكا السيارات. وأوضح أنه يتم قبول الطلاب الذين يحملون شهادة الصف الرابع والسادس الابتدائي والذين لا تتجاوز أعمارهم 25عاما وفي بعض الحالات يتم استثناء الذين يبلغون 30 عاماً وأفاد بان الطالب يقوم بتقديم شهادته للمعهد المهني بجدة ويعطى شهادة معتمدة من مؤسسة التعليم الفني وأكد أن سوق العمل في رابغ يستوعب الخريجين والطلب عليهم كبير نظراً لأن 80٪ من الدراسة هي دراسة عملية وميدانية، وتوقع أن يتم طلب نحو 50 طالبا من خريجي المعهد للعمل في مدينة الملك عبد الله الاقتصادية وخاصة أننا بصدد افتتاح تخصصات جديدة منها قسم ميكانيكا السيارات الأوتوماتيك وقسم الديزل وقال انه يتم صرف إعاشة للطلاب عبارة عن إفطار يومي للمتدربين وراتب شهري قدره 300 ريال لكل متدرب. محافظ رابغ وقال طه عمر بن مبيريك محافظ رابغ ان الأهالي يتطلعون لقيام كلية للتربية للبنات وجامعة تدرس أحدث الأنظمة التكنولوجية وذلك لتأهيل أبناء المحافظة للانخراط في سوق العمل وأوضح أن المجلس المحلي لمدينة رابغ وبتوجيه كريم من سمو الأمير عبد المجيد بن عبد العزيز أمير منطقة مكةالمكرمة قام بتحديد الاحتياجات الأساسية في القطاعات التعليمية والصحية والكهرباء والماء. وفي لقاء مع رجل الأعمال مطر محمد البلادي أوضح أن سعر متر الأرض الذي كان قبل الإعلان عن قيام مدينة الملك عبد الله الاقتصادية بعشرة ريالات ارتفع في الوقت الحاضر الى خمسين ريالا وربما إلى مائة ريال وأكثر في غضون العام المقبل عند البدء في إنشاءات المدينة وتوقع أن تنشط الحركة العقارية في محافظة رابغ بشكل ملفت في غضون الأشهر القادمة وأشار إلى أنه يتم عرض مساحات كبيرة من الأراضي في الوقت الراهن تصل بعضها 30 مليون متر مربع و550ألف متر مربع وهناك مساحات شاسعة من الأراضي غرب الطريق السريع المؤدي إلى محافظة رابغ معروضة للبيع في الوقت الراهن وطالب بضرورة النظر لاستفادة رابغ من وجود المدينة الاقتصادية. وتمنى أن لا تكون منغلقة على نفسها مثل مصفاة أرامكو حيث يتواجد حوالي 5000 موظف تتوفر لهم جميع الخدمات داخل نطاق المصفاة وقال إن الهجرة لرؤوس الأموال ستصبح عكسية ففي السابق كان رجال الأعمال من محافظة رابغ والذي لديه ملايين يذهب إلى جدة لإقامة مشروعات بها ولكن الآن سوف تقوم رؤوس الأموال الموجودة في جدةومكةالمكرمة و المدينةالمنورة بالهجرة إلى محافظة رابغ وأفاد أن التسهيلات بإقامة مشروعات سياحية في كورنيش رابغ غير متوفرة حيث تشترط البلدية أن يبعد المشروع 500 متر عن الشاطئ وهذا الشرط يحكم بالفشل على أي مشروع سياحي، وأشار إلى أن بعض البنوك تبحث في الوقت الحاضر عن مواقع لافتتاح فروع لها في رابغ حيث لا يوجد سوى خمسة فروع في الوقت الراهن تقدر حجم تعاملاتها بنحو 60 مليون ريال بينما في حالة بدء أعمال المدينة الاقتصادية نشاطه فإن حركة الفروع الجديدة ستجعل حجم العمليات البنكية في المنطقة يقفز من وضعه الحالي وصولاً إلى مليار ريال. من جهته قال رجل الأعمال صالح المحمد المكيرش أنه قام منذ مدة بالاستثمار في محافظة رابغ عن طريق إنشاء مصنع الراقي لإنتاج الحديد بطاقة سنوية تبلغ 400 طن وعبر عن فخره واعتزازه بوجود مدينة الملك عبد الله الاقتصادية بالقرب من المصنع كما أنها كانت بشرى خير حيث سيتم البدء في إنتاج المصنع بعد سبعة أشهر من الآن وأشار إلى أن مساحة المصنع تبلغ حوالي 15ألف متر مربع ويعمل به 450 عامال نسبة السعوديين منهم مرتفعة جداً. سوق حجر في يومي الاثنين والخميس وفي سياق الحديث عن أهالي رابغ تحدث معنا منير منور مناور البلادي أحد أهالي المحافظة وقال إن المواطنين هنا في هذه الأيام ليس لديهم سوى الحديث عن مدينة الأحلام وكأنهم لا يصدقون أنها ستصبح واقعاً في غضون السنوات القليلة القادمة، وأشار إلى أن عدد سكان مدينة رابغ نفسها قليل ولا يتجاوز عشرة آلاف نسمة ولذلك فإن الأهالي مترابطين وكأنهم جسد واحد ولم تغير طباعهم المادة أو المدنية الحديثة وهناك من كبار السن من يتخوفون من تفكك هذا النسيج الاجتماعي بعد قيام المدينة الاقتصادية وتشعب السكان في الأعمال التجارية بشكل يجعلهم متباعدين ولا يهتمون سوى بتحقيق الأرباح وإجراء الصفقات. وعن المهن التي يعمل بها أهالي رابغ في السابق والآن قال منير كانت هوايتنا في القديم الصيد والغوص في البحر ولكن عندما أصبحت الشركات هي التي تتولى أعمال الصيد انخفض عدد الصياديين واندثرت مهنة الغوص وأستبدل بعض الأهالي عن ذلك بزراعة التمور والليمون والبطيخ وتعتمد الزراعة على مياه الأمطار إذ تشهد المحافظة وقراها في بعض الأعوام سبعة سيول دفعة واحدة وفي عام 1406 ه جاء سيل كبير مدمر وهو أحد الأسباب في توجهات الأهالي ووزارة الكهرباء والمياه في إعداد دراسات سد رابغ الضخم الذي يتم تشييده حالياً لحماية سكان القرى من السيول المدمرة وأضاف أن أغلب من يخرجون من المرحلة الثانوية إما أن يلتحقوا بالوظائف الحكومية أو يسافروا على جدةومكةالمكرمة للدراسة في جامعاتها وكلياتها ثم يعودون مرة أخرى إلى رابغ ليلتحقوا بوظائف حكومية أو في مصفاة تكرير البترول أو شركة الكهرباء أو مصنع الأسمنت. وأكد أن هناك تأثيرات إيجابية كبيرة ناتجة عن دعم الدولة لأسعار محصول الشعير حيث تزايدت تجارة المواشي بشكل كبير ويقام سوق خاص بها في قرية حجر التي تبعد عن رابغ 92كم وتأسس قبل عامين ووجد نجاحاً كبيراً كما يقام السوق كل يوم اثنين وخميس وتعرض فيه جميع أنواع المواشي، وأشار إلى أن أهالي قريتي مغينيا وتمايا يعانون من نقص في الكهرباء ويقوم المقاول الحالي بإمداد كل منزل بحاجته المحدودة من الطاقة الكهربائية مقابل مبلغ مقطوع عن كل منزل قدره 220 ريالا وهو مبلغ كبير بالنسبة للأوضاع الاجتماعية لسكان القريتين.