لا يوجد يوم تتحد فيه الأمة وتنصهر فيه كل الطوائف والمعتقدات والسلوك بل حتى اللغات واللهجات ويبقى الذكر والدعاء سيد الموقف.. هكذا هي عرفة جبل يتوشح بالبياض ولسان يلهج بالدعاء وإيمان صادق وتوجه نحو التوبة ونحو إسلام صادق وأيادي ترتفع لله طمعاً في الإجابة في توحيد الأمة والخروج من المأزق والعودة إلى الله. إن المشهد الروحاني الذي يلمسه المراقب لهذا اليوم يعرف أن عرفة يوم بدون طوائف وخال من المعتقدات وما يمكن أن تصف به الأمة هذا اليوم هو التوحيد حول أن عرفة هو الحج الأكبر وأن الههم واحد وأن الجميع مسلمون يقفون جنباً إلى جنب في زي واحد يدعون الله للأمة الوحدة وطوائف أخرى نسيت معاركها الفكرية وصراعتها الخطابية ونزاعاتها العرقية.. وتفرغ الجميع لمشهد عرفات. إن هذا اليوم يحتاج منا إلى أن نضعه في الحسبان ونُدرك مقاصده ومغزاه لتكون الأمة قلباً وقالباً من أجل إسلامنا العظيم.. هكذا نادى بالأمس الملك عبدالله في مكةالمكرمة هنا في رحاب مكة وقلب المشاعر المقدسة فهل يظل هذا المشهد بصموده وقالبه الواحد معجماً نترجم به أهدافنا في الغد ونصل بتلك القرارات التي انبثقت عن قمة مكة الأخيرة والذي ادرج الفرد المسلم في عالمنا الإسلامي كعنصر فاعل لابد أن يشارك في الخروج من معترك التنافس غير المنطقي بين شعوب الأمة والوصول إلى الحلول المرجوة للنهوض بأمة إسلامية هاجسها الحفاظ على تراثنا وتأصيل مبادئ إسلامنا وقيمنا التاريخية. صاحب السمو الملكي الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية قال في حديث سابق إن الأمة الإسلامية كانت تلبس ثوباً ليس بثوبها وليس بمقاسها وغير مناسب لهمومها ومشاكلها. وأضاف سموه اننا كنا نعيش بابنهار الصناعة والعلم في الغرب ونسينا أن لنا حضارة هي من انبل الحضارات لابد أن نحافظ عليها ونسعى للحفاظ عليها وإظهارها بالشكل المطلوب ومن هذا المنطلق كان لبيان مكة الذي صدر عن القمة الإسلامية الاستثنائية الأخيرة التي خرج بها القادة وكلهم قناعة بأنه لابد أن نكون يداً واحدة للوصول إلى هذا الهدف وفهم متطلبات أمتنا. «الرياض» التقت بالبروفيسور أكمل الدين إحسان أوغلو أمين عام منظمة المؤتمر الإسلامي الذي أكد أن لا صورة تجسد الأمة وتعطيها صورة القوة والهيبة كهذا المشهد في عرفات فالكل هنا يرسم آماله مع الآخر ويرفض الانخراط لأفكار عنصرية هدامة لا تخدم الأمة الإسلامية فبكل صراحة عندما يرى الغرب والآخرون الذين ندعو دائماً إلى حوارهم هذا المشهد في عرفات يعرفون ماذا يعني الإسلام وأن هيبة الإسلام وتلك الحضارة التي غطت أرجاء الدنيا لم تأت من فراغ فقمة مكة الأخيرة التي ولدت فكرتها من يوم كهذا اليوم دعيت فيها الأمة من قائد حرص على تلاحم ووحدة الأمة كان هدفها تصفية القلوب ونبذ الخلاف وجمع الكلمة والرجوع إلى واقعنا.. فكم أتمنى أن يظل هذا المشهد العظيم مثالاً للغد ليسهل علينا صياغة قراراتنا وتنفيذها بشكل يسير في ظل التآخي وبعيداً عن الطائفية والعرقية واللغوية والمذهبية التي كانت سبباً رئيساً في الشتات.. عرفات مشهد لا يتكرر ولحمة لا تتفرق ولكن الأمل أن نعيشه في الغد إن شاء الله. وكيل وزارة العدل الشيخ عبدالله بن محمد اليحيى أكد أن موسم الحج تجتمع فيه القلوب وتقوى فيه الصفوف بتوحيد كلمة الحق وتأصيل للعقيدة فمن ثماره احتضان المسلمين في مكان واحد وبلباس واحد لا وجود للتفرقة بينهم فالغني والفقير والكبير والصغير هم سواء شعار الأخوة يرتسم على محياهم {إنما المؤمنون إخوة} والاعتصام بالإسلام شعارهم {واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا} فكل هذه المبادئ العظيمة تغرس في نفوس كل المسلمين دون النظر إلى طوائفهم واعراقهم.. فيوم عرفة بيان واضح على اجتماع الأمة وتقوية الروابط وإزالة الخلافات العرقية. عضو مجلس الشورى الشيخ عبدالمحسن العبيكان قال ل «الرياض» هو أيضاً أن المشهد اعظم من أي حديث وإذا كان هناك يوم يستحق التأمل في واقع الأمة وكيف كانت وأين أصبحت ويقدر هيبتها ومكانتها هو في عرفة فاليوم عظيم والأجر وفير والأمة واحدة وألا شيء يعلو صوت الدعاء والذكر فالقلوب تبتعد عن كل مآرب الدنيا وتتفتت ضغائن المجتمعات الإسلامية فالكل في هذا الموقف لا حدود بينهم ولا مقصاعد غير الأجر هكذا تكون عرفة بلا تكتلات ولا حزبيات بل دينٌ واحد وربٌ واحد وأملٌ في أمة صالحة واحدة قوية ابية بقوة حضارتها تفاخر فيها في الغرب والشرق، وكأن ما دعا إليه بيان مكة يرتسم على جبل عرفة. ويرى الشيخ جابر المدخلي الأمين العام للتوعية الإسلامية في الحج أن انصهار المسلمين في يوم عرفة في قالب واحد بعيداً عن الأحقاد والضغائن والنكران وهي جلد للذات لما كانت عليه نفوسهم في الماضي فهذا المشهد المهيب يعطي صدق النية لمجتع إسلامي موحد وكيان واحد ترتسم فيه وجه الحضارة الإسلامية وتسقط منه قشور المذهبية والطائفية والحزبية لنكون صادقين نظيفين منها كاحراماتهم الناصعة البياض. هذا المشهد لا يحتاج إلى تعليق فالنظرة من الوهلة الأولى نعرف من خلالها عظم هذا الدين وقوة رسالته وجمال أمته.