كتب رديئة وأخرى ذات توجهات وأفكار حادة وبدائية تملأ أرفف المكتبات السعودية، بينما تغيب تلك المؤلفات ذات الزخم الباحث عنها وعن قراءتها، وكثير من المؤلفات التي تحظى بحالة من الإقبال ربما لا تمثل فتوحات ثقافية أو إبداعية في ذاتها بقدر ما أن منعها، وعدم فسحها والسماح بها هو الذي أسهم في تسويقها. تقول ثريا عبدالله: في الأسبوع الماضي، وفي غرفة المعلمات في المدرسة، كان هناك طابور طويل من زميلاتي المعلمات يقمن بتدوين أسمائهن، لم تكن تلك قائمة (جمعية) شهرية، ولا جدول اللاتي عليهن احضار القهوة والشاي أسبوعياً، بل كانت قائمة انتظار تداول رواية (بنات الرياض) لرجاء الصانع، حيث زميلاتي يسجلن أسماءهن في قائمة تعدها زميلة أخرى، هذه ليست أحضرتها إحداهن، وحين كثر عدد اللواتي يردن اقتناءها واستعارتها تم وضع جدول لترتيب الأيام، وتضيف للأسف: لقد جاء ترتيبي متأخراً، ولكن لا بأس، سانتظر، فلا بد أن أقرأها. معظم الذين اقتنوا هذه الرواية، أو رواية شقة الحرية لغازي القصيبي، أو كتب تركي الحمد والقصيمي وغيرها لم يكونوا في غالبيتهم من المنشغلين بالقضايا المعرفية والثقافية، وإنما هو أولئك الذين أخذهم بريق المنع، وما تصحبه من آراء ورؤى تسويقية ومثيرة تجعل من كل الكتب الممنوعة كتباً ذات شأن شعبي، والاهتمام ينصب على منعها أكثر من كونه على جودتها. إن اللعبة الشعبية القائمة على الرغبة في الممنوع، لعبة اجتماعية تقوم في الثقافات ذات الشكل الشمولي التي يراد لأفرادها أن يعيشوا بشكل محدد، ويقرأوا كتباً محددة، ويحملوا أفكاراً محددة، مما يجعل كل طريق جديد يمثل خروجاً عن تلك السيطرة كالانترنت مثلاً يتم استخدامه أولاً باستثمار قوته الخارجة عن السيطرة، ويصبح أداة تجاوز المحظور الثقافي أكثر من كونه أداة لتواصلات ثقافية جديدة. ربما تمثل الرقابة الآن أكثر الأجهزة التي تعيش ورطة حادة، يعود ذلك إلى أن ذهنية العمل الرقابي تقوم في أبسط صورها على منفذ واحد هو معبر كل المدخلات الجديدة ما لا يراه كذلك، مع أن تحديد مسألة النافع والضار أمور لم تعد خاضعة لذهنية واحدة تشرع ذلك، خاصة أن الاختلاف ربما أسهم في تعدد التصنيفات فما يراه طرف ضار قد لا يراه طرف ثان كذلك، وجعل مسألة الاختيار أحادية بهذا الجانب يعمق من سطوة الفعل الرقابي وعدم جديته، خاصة إذا عرفنا أن الرقيب غالباً هو مجرد موظف عادي، لا يحمل ذلك البعد المعرفي الذي يمكن أن يتيح له مكانة المراقب العام لثقافة مجتمع بأكمله، ومع أنه لو كان بذات الصورة فإن هذا أيضاً لا يمنح أحداً حق رقابة للجميع. ينطلق المراقب من عدة قيم محددة في آخر الأمر لا علاقة لها بقيم ثقافية أو أدبية، أو اهتمام بالجانب المضموني والجودة العامة. وبإمكانك أن تطوف برفرف كثير من المكتبات لترى الكثير من الكتب ذات التناولات الرديئة والمستويات المتدنية، والأخطاء المعرفية والعلمية، وكل هذا يعود إلى أن سلطة قيمة لها، ولا تؤثر في أهمية الكتاب أو علميته، وهذا يضمن أجواء من التضييق على المعرفي الحقيقي بحجج قد تبدو واهية وغير منطقية وفتح الباب لكتب لا تحمل أي قيمة معرفية أو علمية. إن التجربة التي تمر بها الآن رواية (بنات الرياض) لرجاء الصانع هي ذات التجربة التي عاشتها أعمال القصيبي والحمد وغيرهم، وهذه ورطة ثقافية حين نجد أن الجيل المنتج للإبداع أو للفعل الثقافي السعودي قد تغير - بغض النظر عن مستوى إنتاجه - ولكنه لا زال يعيش ذات العلل ويتعرض لذات الإشكالات التي تعرض لها المنتج الثقافي السعودي في عقود ماضية. إن حركة الثقافة لن تكون بخير إذا ظل الفعل الثقافي خاضعاً لآليات بدائية لم تعد نافعة ولا مجدية أصلاً، وكل الكتب التي يتم منعها هي أكثر الكتب التي يقرأها ويتداولها السعوديون، مما يعني أن الإدارة الثقافية للثقافة لا زالت تقف خارج وعيها بالمرحلة، وهذا يعني أن الرقابة لن تعد مخيفة في ذاتها، بقدر ما يكمن ذلك في نتاج بدائيتها وما تتسبب به من تشريد للمنتج الثقافي السعودي، وما يعكسه حضورها من قلق حاد على أهلية الإدارة الثقافية ووعيها لرعاية وإدارة فعل ثقافي جاد ومنطقي.