واستكمالاً للمعطيات المتصلة بقضية حوارنا مع الآخر التي يمكن استجلاؤها لتقييم أنفسنا والتي بدأناها في الحلقة الماضية: ٭ الدور المفقود لمؤسساتنا الاجتماعية فبالرغم من ان كثيراً من القضايا التي يثيرها الآخر تتصل بالجوانب الاجتماعية كقضايا حقوق الإنسان وحقوق المرأة والمشاركة الشعبية والبطالة والفقر إلاّ ان مؤسساتنا الاجتماعية دورها غائب في التفاعل مع الآخر والتواصل معه والمشاركة في المنتديات والمؤتمرات الدولية التي توضح وتنقل واقعنا الصحيح ورؤانا في هذه القضايا وغيرها، فعلى سبيل المثال يعد العمل التطوعي معياراً في الحكم على تطور المجتمعات في وقتنا الحاضر ويعتمد العمل التطوعي في المملكة على العنصر النسائي وهذه الحقيقة وغيرها يمكن ان توظف في الحوار مع الآخر. ٭ وعطفاً على العنصر السابق فإنه بالرغم من أهمية الدور المفترض لسفارات المملكة في الخارج، خاصة مع التغيرات التي يشهدها العالم ورياح العولمة، في ترسيخ التعاون والحوار مع الآخر ليس فقط مع الأنظمة السياسية للدول التي توجد فيها السفارات ولكن أيضاً مع مجتمعاتها ومؤسساتها وشعوبها إلاّ ان ذلك مهمش لسنوات طويلة مما أفسح المجال لعدد من الأفراد والمؤسسات سواء كانت غربية أو غير غربية لملئ هذا الفراغ، والمؤسف ان هؤلاء الأفراد والمؤسسات قد تكون أهدافها مغرضة أو قد لا تنقل الصورة الصحيحة أو تجهل ثقافة وتراث المملكة وواقعه، وبالتالي فإن تطوير عمل السفارات ليتضمن البعد الثقافي والاجتماعي وتوظيف ذلك كوسيلة للحوار مع الآخر أمر يفرضه الواقع وتتطلبه الحاجة. غياب البعد الاجتماعي في الحوار مع الآخر فالتركيز على المفاهيم والأصول الشرعية التي أصلاً الآخر لا يؤمن بها أفقدنا وسيلة في التفاهم واقناع الآخر بقيمة وأهمية تلك المفاهيم والأصول ومن هنا فالتركيز على المدلولات الاجتماعية ووظائفها في المفاهيم والقيم الشرعية مهماً للحوار مع الآخر، والقيم الاجتماعية لها حضور في المفاهيم والأصول الشرعية فالإسلام جاء لتحقيق الفضائل الاجتماعية والأخلاق الحميدة، ففي الحديث الشريف: «ما من شيء يوضع في الميزان أثقل من حسن الخلق وان صاحب حسن الخلق ليبلغ به درجة صاحب الصوم والصلاة». فعلى سبيل المثال الصلاة وهي الركن الثاني من أركان الإسلام والتي شرع الله إقامتها في المساجد لها وظائف إنسانية واجتماعية عديدة كزيادة التقارب والألفة بين الناس وتفقدهم لأحوال بعضهم البعض ومعرفة المحتاج من جماعة المسجد واشاعة الأمن والطمأنينة في الحي نتيجة لخروج الناس خمس مرات لأداء الصلاة في المسجد، ومثل هذه الوظائف الاجتماعية للصلاة يمكن التركيز عليها وتوضيحها للآخر وتوظيفها في حوارنا معه. ٭ افتقادنا للمعرفة الحقيقة عن الآخر، فالأسس التي نعتمد عليها في الحوار مع الآخر كثيراً ما تكون مبنية على ما ينشر ويذاع في وسائل الإعلام الغربية لكن هناك رؤى للشعوب الغربية تختلف عن ما ينشر في وسائل الإعلام لم ندركها للاستفادة منها، كما ان هناك حقائق وممارسات في المجتمع الغربي غائبة عن وسائل الإعلام الغربية يمكن الاستفادة منها وتوظيفها في حوارنا مع الآخر كالتفرقة العنصرية في المجتمعات الغربية والفقر والعنف ضد المرأة والانحلال الأخلاقي والشذوذ الجنسي، وامتلاك المعرفة عن الآخر بما تتضمنه من معرفة مكامن القوة والضعف لديه تمثل مصدراً من مصادر القوة لنا في الحوار معه فكما هم يلقون علينا بوابل من التهم والافتراءات حول قضايا كالمرأة وحقوق الإنسان عندهم من القضايا والممارسات التي لا تتفق مع حقوق الإنسان ولا مع الطبيعة البشرية، وإذا كان عندنا أخطاء فعندهم أخطاء كثيرة. ٭ يهتم الآخر بدراستنا بمنهجية علمية ومن مختلف الجوانب ومنذ زمن طويل فهناك العديد من مراكز البحوث والاستشراق والمؤسسات العلمية المتخصصة في دراسة الشرق الأوسط والعالم العربي وتعقد الندوات والمؤتمرات حول موضوعات متخصصة لها صلة بالعالم العربي بل والمملكة على وجه الخصوص وفي المقابل نفتقد إلى غياب المنهجية العلمية في الحوار مع الآخر، والعقلية الغربية عقلية تعتمد على المنهجية العلمية والمنطقية في التحليل والتفسير بعيداً عن الخطاب العاطفي والوعظي الذي نركز عليه مما أفقدنا القدرة على التأثير والاقناع في الآخر بالرغم من ان الإسلام هو خير من يخاطب العقل الواعي. فبالرغم من حاجتنا لدراسة الآخر وفهمه فهماً صحيحاً خاصة في ظل الأوضاع الحالية وما يتمتع به الآخر من القوة والتفوق المادي لاّ ان هناك افتقاداً لمؤسسات أو مراكز متخصصة لدراسة العالم الغربي وثقافة، لذا فإن وجود مثل هذه المراكز مهم لدراسة الآخر وبناء أسس الحوار الفاعل معه ولعل إنشاء مركز يمكن ان يطلق عليه «مركز الدراسات الاستغرابية» أسوة بمراكز الدراسات الاستشراقية المنتشرة في الدول الغربية سيكون خطوة مهمة في دراسة الآخر وفهمه فهماً صحيحاً مما سيؤدي إلى قيام حوار فاعل وبناء معه. ٭ غيابنا الإعلامي الذي أثر سلباً في نقل رؤانا وصورتنا الصحيحة للآخر وأفسح المجال أمام بعض الوسائل الإعلام التي قد تكون مغرضة لملء الفراغ، وهذا يتطلب منا تدعيم مؤسساتنا الإعلامية ومضاعفة الجهد لتواجدنا إعلامياً على المستوى الدولي لنقل رؤانا وتصوراتنا حول القضايا التي تهمنا. وختاماً، فإن ما تم في هذه الحلقة والحلقات السابقة من معطيات جديرة بالاهتمام وبأخذها في الاعتبار لتهيئة أنفسنا للحوار مع الآخر ولبناء حوار فاعل مع الآخر نستثمره في مصلحة ديننا ووطننا. ٭ أستاذ الخدمة الاجتماعية - جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية نائب رئيس الجمعية السعودية لعلم الاجتماع والخدمة الاجتماعية