طالب عدد من المختصين في القضاء والعدالة بخصخصة السجون والمؤسسات العقابية موضحين الأثر الإيجابي في تحقيق تنفيذ القانون بعد هذه الخصخصة. ففي البداية قال د. مصطفى محمد بيطار في ورقته التي قُدمت في مؤتمر القضاء والعدالة الذي نظمته جامعة الأمير نايف مؤخراً في المملكة: لا تزال عقوبة سلب الحرية هي العقوبة التقليدية الأولى التي تلجأ إليها أغلب المجتمعات للرد على الجريمة. وما تزال الغالبية العظمى من الدول تعتمد على السجون مكاناً لتنفيذ العقوبات وتعدها رمزاً للحماية الاجتماعية، وتحقيق العدالة. غير أن الصعوبات التي تواجهها هذه المؤسسات من ازدحام ونقص في الإمكانات المالية والبشرية المتخصصة دعا بعض الدول إلى الأخذ بنظام الخصخصة وهو ما يسمى بالسجون الربحية. ويقدم أنصار الخصخصة حججاً عديدة لتدعيم رأيهم رغبة في الحد من نفقات الحكومة وتوفيراً للأموال، والسعي لزيادة مستوى الكفاءة الإدارية والمهنية لهذه المؤسسات وتزويدها بالأساليب الحديثة في الإدارة. والسؤال هنا ما أثر خصخصة المؤسسات العقابية في تحقيق تنفيذ القانون؟ إن عملية تقديم أي نشاط يُبذل في مواجهة نزلاء المؤسسات العقابية وتقدير فعاليته يجب أن يتحدد على أساس مدى مساهمته في تحقيق أغراض التنفيذ العقابي والقضاء على المشكلات التي تعاني منها السجون أو على الأقل التخفيف منها ضماناً حقوق السجناء في المعاملة الإنسانية، وتأديب المحكوم عليه وإعادة تأهيله وغيرها من أهداف التنفيذ العقابي. وأشار إلى الخصخصة وحق السجين في المعاملة الإنسانية، والخصخصة وسلطة تأديب السجين، والخصخصة وتأهيل المحكوم عليهم، والخصخصة والإفراج الشرطي، والخصخصة والعمل داخل السجن، والخصخصة وأمن المؤسسات العقابية. وقال: إن السجن مرفق خدمات عامة وظيفته تحقق مصلحة لفريق من المواطنين بتأهيلهم ولمجموع المواطنين بوقايتهم خطورة الإجرام، وإذا كانت مصلحة الدولة الرئيسة من خصخصة السجون هي تخفيض الأعباء المالية فإن هذا التخفيض لا يمكن أن يحصل إلا على حساب تأهيل المحكوم عليهم. وإذا كان تبني الخصخصة يخفف عن كاهل الدولة أعباء مالية مهمة إلا أن الأخذ بهذه التجربة لا يخلو من بعض المحاذير. ولهذا فإن الحل الأمثل يتجلى بتقسيم مهام هذا المرفق إلى قسمين: قسم لا يمكن للدولة أن تتخلى عنه كإدارة السجن والحراسة ومسك السجلات الخاصة بالمؤسسة العقابية، وآخر يمكن إسناده للقطاع الخاص مع الحرص على تنفيذ العقود مضموناً لا شكلاً. أما أثر تخصص المحاكم في الأحكام فقال أ. د. محمد عيد الغريب في ورقته.. فكرة القضاء: كلمة القضاء لها معنيان: الأول، من وجهة نظر وظيفية، فالقضاء هو السلطة المختصة أساساً بالفصل في المنازعات، أي سلطة تطبيق القانون على حالات مجردة، وإضفاء القيمة الرسمية للحلول القانونية التي تستخلصها، وإمكانية تنفيذها جبرياً. والقضاء هو إحدى وظائف الدولة الرسمية، إلى جانب وظائفها التشريعية والتنفيذية، واختصاص الدولة بالقضاء مبدأ أساسي في المجتمع الحديث، فالقضاء، وبصفة خاصة، القضاء الجنائي، ليس فقط حقاً للدولة، بل واجب عليها. ولذلك فالقضاء يُعد ركناً أساسياً في النظام الضروري لحياة المجتمع. ومن جانب آخر تعني كلمة القضاء، الهيئة أو مجموعة الهيئات التي تمارس بها الدولة وظيفتها القضائية. وعلى هذا النحو يعرف القضاء الجنائي، بأنه مجموعة المحاكم التي خولها القانون الاختصاص بمعاقبة الجرائم. أي تحديد مضمون سلطة الدولة في العقاب في مواجهة المتهم، وهو ما تعبر به الدولة عن سيادتها وسلطتها في إقرار النظام على إقليمها. وأياً كان المعنى الذي يعطى لكلمة القضاء، فإنها تتميز بفكرة مونتسكيو التي تبعاً لها «السلطة يجب أن تقيد السلطة»، وانبثاقاً من هذا القول تبلور مبدأ الفصل بين سلطات القضاء الجنائي، وهو ما يعبر عنه بمبدأ الفصل بين سلطات الاتهام والتحقيق والمحاكمة. وعلى هذا النحو فإن القضاء هو الذي يحقق الحماية التي يكفلها القانون للقيم والمصالح الاجتماعية. ولهذا يقال إن القضاء ركن في قانونية النظام، وأنه لا قانون بغير قاض مستقل كل الاستقلال عن غيره من سلطات الدولة، تكون أحكامه واجبة الاحترام من الجميع حكاماً ومحكومين على السواء. وبناءً على ذلك تقرر مبدأ القضاء هو الحارس الطبيعي للحريات، وقد نصت المادة الثانية من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على أن لكل شخص الحق في أن يلجأ إلى المحاكم الوطنية لإنصافه من أعمال فيها اعتداء على الحقوق الأساسية التي يمنحها له القانون. ونصت المادة العاشرة من هذا الإعلان على أن لكل شخص الحق في محاكمة عادلة عليه أمام محكمة مستقلة ومحايدة. وقد أكدت هذا المبدأ الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية لسنة 1966م في مادتها الرابعة عشرة. وقال د. الغريب عن ضمانات استقلال القضاء إن الاستقلال الوظيفي للقضاء، والاستقلال في مواجهة سلطات القضاء الأخرى، هما مظهرا فكرة القضاء. واستقلال القضاء يعني ألا يخضع القضاء تحت تأثير سلطة أو شخص معين، ولا يلتمس رضا أحد، وألا تكون عليه سيطرة لأحد لا لحاكم، ولا لخصم، لا يتحرى إلا إقامة العدل ولا يخشى لومة لائم. ويتطلب ذلك ألا يعمل القاضي وفق توجيهات الناس، وميولهم، وإنما وفقاً لأحكام القانون. ولهذا وجب ضمان استقلال القضاء لتحقيق العدل. ولهذا نصت المادة الأولى من المبادئ الأساسية لاستقلال السلطة القضائية التي أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة في ديسمبر سنة 1980م على أن استقلال السلطة القضائية لازمة لتنفيذ الحق في محاكمة عادلة. ونصت المادة الخامسة من المبادئ سالفة الذكر على أن لكل فرد الحق في أن يُحاكم أمام المحاكم العادية أو الهيئات التي تطبق الإجراءات القانونية المقررة، ولا يجوز إنشاء هيئات قضائية لا تطبق الإجراءات القانونية حسب الأصول الخاصة بالتدابير القضائية، بقصد نزع الولاية القضائية التي تتمتع بها المحاكم العادية والهيئات القضائية. وفي ضوء ما تقدم يتضح أن استقلال القاضي من نوعين: الأول: نوع معين يفرض التزامات معينة قبل الدولة نحو القاضي وهي: 1 - التزام سائر سلطات الدولة بعدم التدخل في شؤون القضاء، وذلك لعدم تدخل السلطتين التشريعية والتنفيذية في شؤون القضاء، واستقلال القضاء الجنائي عن سلطات القضاء الجنائي الأخرى. بل والاستقلال في مواجهة الخصوم والرأي العام. 2 - وضع قواعد محددة وضمانات في تعيين القضاء، مما يكفل استقلال القضاء. 3 - ضمانات توافر الشروط العلمية والفنية في القاضي. 4 - حصانة القضاة من العزل. 5 - استلزام أن يكون القاضي الطبيعي هو القاضي المختص بحسب القواعد العامة المطبقة للاختصاص القضائي. ثانياً: نوع يفترض التزامات معينة على القاضي نفسه بأن يكون محايداً. وقد كفل القانون حياد القاضي من خلال بعض الضمانات الوقائية التي تبعد القاضي عن الهوى والميل والتأثر بالمصالح والعواطف الشخصية. وبالإضافة إلى ذلك وضع القانون الموانع التي تحول دون تحقيق حياد القاضي، فنظمها وسلب سلطة القاضي عند توافرها. هذا فضلاً عن استلزام أن تشكل كل محكمة جنائية من عدد من القضاة يحدده القانون، وهو ما يكفل استقلال القضاء وحياده. فكرة تخصص القاضي الجنائي ترتبط فكرة تخصصص القاضي الجنائي، بمبدأ وحدة القضاء المدني والقضاء الجنائي، وقد كانت وما زالت هذه الفكرة مجالاً للجدل والمناقشة، ولم يتجاوز القانون المصري مرحلة التخطيط الأولى لهذه الفكرة. وإذا كانت القاعدة في المملكة العربية السعودية هي ولاية المحاكم الشرعية بنظر كافة المنازعات والجرائم إلا ما استثنى نظاماً، ولذلك فإن اصطلاح المحكمة والحكم لا يطلق إلا على المحاكم الشرعية وعلى ما تصدره من أحكام، أما الجهات الأخرى فتسمى هيئة أو لجنة، ويسمى ما تحكم به قراراً أياً كانت جسامة الجريمة التي تفصل فيها. غير أنه مما لا شك فيه أنه بالرغم من ذلك، فإنه ليس هناك ما يمنع من الاستفادة من التطور العلمي في مجال تخصص القاضي الجنائي، أياً كان مصدره على ألا يكون في ذلك ما يؤثر على الشخصية الإسلامية المتميزة للمملكة، واستبعاد ما يتعارض مع روح الشريعة الإسلامية الغراء، ولهذا كان لزاماً علينا عرض فكرة تخصص القاضي الجنائي في القانون المقارن، لإمكان الاستفادة منها بغية الوصول إلى النظام القانوني الذي لا يتعارض مع الشريعة الإسلامية.