صدر مؤخرا عن دار الشهاب للنشر بالجزائر كتاب «كتابات نوفمبر» للمؤرخ الفرنسي المختص في الثورة التحريرية بنجامين ستورا، وهو بحق مساهمة جادة من الكاتب لسد العجز الكبير في هذا المجال. وأكد ستورا، في تصريحات صحفية، بأن العمل التاريخي حول حدث جلل في مستوى الثورة الجزائرية لا يمكن أن ينتظر قرارا من السياسيين للإفراج عن الأرشيف. وبالتالي فهو يبرر دعوته إلى اعتماد كل النصوص التي كتبت حول هذه الثورة من أجل ضمان حد أدنى من ذلك العمل. وأضاف المؤرخ بأن الثورة الجزائرية شهدت صدور ما لا يقل عن 3000 كتاب حول ثورة المليون ونصف المليون من الشهداء، في كل مجالات الكتابة الأدبية والتقريرية والبيوغرافية والترجمة وهو ما يشكل في نظره خزانا لا يستهان به يمكن أن يعتمده المؤرخ في بحثه حول تلك الفترة، خاصة وأن أغلبها يتميز بالطابع الحميمي الخالي من المصلحة، وبطابع الاعتراف، الذي عادة ما يستنجد به الناس من أجل إراحة الضمائر. وهي بذلك تحمل مصداقيتها من كون إراحة الضمير لا يمكن أن تكون إلا بقول الحقيقة كما هي ودون تجميل. وانطلاقا من أهمية الكتاب فقد اختار ستورا أن يخصص عمله الأخير لتناول أشهر الكتب والنصوص التي كتبت عن الثورة التحريرية، أو حولها، ومنها روايات لعناصر في جيش الاحتلال، وكتابات لنساء أقدام سوداء أصابهن الحنين إلى فترة الشباب، ومذكرات مجاهدين جزائريين، بالإضافة إلى نصوص كتبها شباب ينتمون إلى الهجرة الجزائرية ويعانون من ألم الهوية المشتتة. ولا تكمن أهمية هذه النصوص، بالضرورة، في شهرة أصحابها، أو في حجم الدور الذي لعبوه في صناعة الحدث، أو في المكانة التي وقفوا عليها من أجل الشهادة عليه، بل في ما ستضيفه إلى المكتبات في هذا المجال بالنظر. وتجنب ستورا التقسيم الأكاديمي الذي تعودنا ملاحظته في هذا النوع من الكتب، عبر تبويبها حسب الترتيب الزمني أو حسب فنون الكتابة، واختار التقسيم حسب المقالات، مما يعطي الانطباع بأنها كتبت عبر فترات زمنية متفاوتة، وبأنه قام بعملية جمعها، انطلاقا من النص الذي يؤكد أهمية الكتاب كوثيقة أرشيفية، ووصولا إلى كيفيات صنع الذاكرة من خلال الكتب، مرورا بتقسيم النصوص التي تناولت الثورة التحريرية من وجهتي النظر الجزائرية والفرنسية، بالإضافة إلى نص مقارن حول تأثير الكتابة والصورة في إنشاء مدرسة حقيقية تختص بالتأريخ لتلك الفترة، وآخر حول الطرق الجديدة في التعامل مع التاريخ. للإشارة، فإن صاحب الكتاب، الذي سبق له وأن تناول الصورة كوسيلة لكتابة التاريخ عبر عمل تحت عنوان «الغنغرينة والنسيان»، ولد سنة 1950 بمدينة قسنطينة شرق العاصمة الجزائر، ويشغل اليوم منصب أستاذ اللغات الشرقية بمعهد الدراسات السياسية بباريس، وقد اشتهر في الأوساط الثقافية الفرنسية والجزائرية كأحد ابرز المؤرخين وأكثرهم إنتاجا في مجال التعامل مع التاريخ المعاصر للمغرب العربي والثورة التحريرية والهجرة المغاربية في فرنسا، التي أصدر فيها ما لا يقل عن 20 عنوانا، إلى جانب المؤرخ الجزائري محمد حربي وشارل روبير آجرون.