أكاد أزعم بأن من اشدَ من حرّض (الآخر) علينا، واستعدى قواه (الشريرة) على الإسلام والمسلمين في هذا العصر هم فئة ممن انتسبوا إلينا والى ديننا ثم تحدثوا باسمه، وباسمنا فأساءوا لهذا الدين العظيم، وحرّضوا علينا كل حاقد وطامع بأساليبهم السقيمة. ويستند هذا الحكم على تراكم ما يقوم به البعض منا (بجهل وحماس وسوء فهم) من أفعال وأقوال تتعمد اختزال صورة ديننا العظيم، وحضارتنا الإنسانية، و إظهارها أمام شعوب الأرض بشكل عدواني دموي مستفز. والأشد إيلاما للنفس والضمير هو تعهّد بعض الأشقياء من بيننا بتوثيق وبثّ كل هذا التشويه (صورة و صوتا ونصوصا) على شبكة الانترنت العالمية. ألا يعلم هؤلاء حكم الله فيما يفعلون؟ ألا يقدّرون مقاصد الشريعة في تقدير أحوال المصالح، والمفاسد خاصة وأن معظم (الشعوب) ظلت ردحا طويلا لا تعرف الكثير عن بعضها البعض إلا عن طريق الوسطاء، وأن ثورة الاتصالات وشبكة الانترنت وما تبعها من انفجار معرفي هي من أعظم النعم التي مكّنت الناس من الالتقاء وجها لوجه (people to people) دون وسيط ولا وصي، وإنها - تبعا لذلك - فرصتنا الكبرى لتقديم ديننا وحضارتنا بما يليق بها وبنا. لا زلت أذكر في منتصف التسعينيات (ونحن طلاب) كيف كانت ردود الأفعال، والآثار الايجابية، عبر الرسائل الالكترونية التي تردنا اثر توزيعنا - في أروقة الجامعات الغربية التي كنا ندرس بها - عناوين مواقع انترنت نتحمّس في إنشائها آنذاك للتعريف بديننا وبلادنا. كان (الناس) بريئين مقبلين علينا يسألون ويصحّحون مفاهيمهم ،ينقّبون في شبكة الانترنت ثم يبعثون ويناقشون. و كنا في المقابل نقبل ونرفد على قدر طاقتنا هذه الوسيلة بما نستطيعه مؤمنين بأن شبكة الانترنت قد فتحت للناس بوابة المعرفة على مصراعيها، وعرّفت محتوياتها الثرية بحضارات أهل الأرض، ووصّلتنا خدماتها بمكتبات، وأسواق العالم، ومعامله، وجامعاته بأقل كلفة، وأرقى خدمة ممكنة. وفي الجانب الاتصالي - الجماهيري- تواصلنا مع بقية أهل الأرض وتمتّعنا معهم بالمزايا الاتصالية لهذه الشبكة العالمية التي قدّمتنا للمجتمع البشري، وقدمته لنا بشكل عفوي ومباشر. فما الذي حدث بعدئذ؟ تصفّح شبكة الانترنت (العربية) وستجد بعض الجواب. فقط تأمل في المواقع الأكثر شهرة بين المستخدمين في منطقتنا وسترى أن من بين العديد من المواقع والمنتديات الحوارية الجماهيرية مجموعة كبيرة خصصها القائمون عليها لغرض وحيد واضح، وهو تشويه كل شيء جميل في الحياة. ولأن أجمل ما في هذه الدنيا هو ديننا العظيم بسماحته، وعزته، فقد نال هؤلاء الأغرار والمرضى باسمه من كل قيمة إنسانية نبيلة، وافسدوا بالتحريض عليه كل فضيلة محمودة. وحين تتصفح وتتعمق في سراديب الانترنت ستجد بعض هذه المواقع تستفتح صفحاتها بآيات الله البينات، وستعجب حين تكتشف أن الموضوع الأبرز في هذه المنتديات التي توشحت بآداب الإسلام الظاهرة، هو دعوتك وكل شعوب الأرض لمشاهدة فلم (نحر بريء) أصابوا دمه ولطخوا به أيديهم وهم يتمسحّون بعتبات الشبهات، وربّما ستقتحم عينيك رسالة صُمّمت لاستنهاض عاطفتك في محاولة لإقناعك بأن استهداف (مسكن) معاهد مستكين تحت إلحاح الشهوات هو من أعظم القربات إلى الله جلّت قدرته. وإن أردت المزيد فاقرأ عناوين المشاركات في حوارات بعض هذه المنتديات التي تتبنى لغة واحدة اسمها (العنف)، وتستهدف مطلبا واحدا وهو (الدمار)، ولا تعجبنّ كثيرا حين لا تجد إلا كلمات «اقتل - دمّر- فجّر - كفّر ». وفي جانب تحريض وتأليب أهل الإسلام على بعضهم ستكتشف الكثير من هذه المظاهر المحزنة خاصة حين تتوغل أكثر في عوالم ما وراء (البروكسي) وهناك سيتبين لك أن طاعة ولي الأمر غير واجبة، وأن معصية الوالدين لها في الدين عشرون مخرجا، وان هناك من أهل القبلة من يجوز معاملته معاملة من عبد الأصنام، كما ستقرأ كيف أن استهداف غير المحاربين (سنة) الخلف الذين تخرجوا من منتديات الانترنت الشرعيّة التي يدرّس بها (المجهولون) من أصحاب الكنى، والألقاب السريّة. وان شئت مزيدا من البراهين فاذهب إلى مكتبة هذا الموقع أو ذاك لتجد العجب العجاب من الكتب والفتاوى التي تفنّن مصّنفوها في إخراج الناس من دينهم، أو تلك التي تخصّصت في أكل لحوم العلماء، أو التشكيك في الرموز الوطنيّة بتتبع النقائص والعورات. مسارات وحدها النوايا البيضاء التي يراها حتى أولئك المصابون بعمى الألوان.