أكد الدكتور سعيد بن غرم الله الغامدي استشاري الطب الشرعي والمشرف على مركز الطب الشرعي بالرياض أن التعذيب يعتبر اضطهاداً جسدياً ونفسياً. وقال هناك أنواع من التعذيب اما بالضرب أو بالحرق أو اذيات الاذنين وكذلك بالخنق أو الاذية باستعمال السلاح والهراوة وعصي الشغب أو عقب المسدس. ونبه إلى أن الحروق قد تكون سبباً رئيسياً للوفاة جراء التعذيب. وأشار إلى أن الطب الشرعي لديه القدرة على كشف ملابسات الوفيات بجميع أنواعها أما بالكشف الظاهري أو التسريح أو بعمل الفحوصات النسجية بالمعمل. «الرياض» كان لها هذا الحوار مع الدكتور الغامدي.. إلى نص الحوار: (التشريح) '' ماهو البرهان والدليل على الاضطهاد الجسدي المميت؟ - في العديد من الحالات تبين المظاهر التشريحية بعد الوفاة لسوء المعاملة المميتة عدم وجود أي اختلاف بينها وبين باقي جرائم القتل، ويجب أن يعتمد إثبات التعذيب المميت على الدليل المعزز وعلى الظروف والملابسات، وعلى سبيل المثال إذا تم ركل أو رفس احد المحتجزين حتى الموت، فإن الموجودات الفيزيائية يمكن أن تكون متطابقة مع حالات القتل بالركل في جريمة الشارع، وبالمثل فإن إصابات الرأس والأعيرة النارية والخنق قد لا تبدي أي اختلافات أوفرق عن الحالات ذاتها خارج نطاق الحجز أو السجن. وتوجد بعض السمات المحددة التي يمكن أن تثير الشكوك أو أن تقدم دليلاً محدداً على أن الموت حدث بنغمة سياسية، وتستعمل كلمة (سياسي) ضمن نطاق واسع حيث إن بعضاً من انتهاكات حقوق الإنسان ليست موجهة من مستويات حكومية عالية، ومع ذلك لانجد أي فرق في اطلاعنا على مثل هذه النشاطات، العديد من حالات الوفاة والأذى اللاشرعية ترتكبها القوات العسكرية والأمنية، فإن مستوى الأمر الذي يوجه أو يغض النظر عن هذه الإساءات يختلف ويتنوع إلى حد كبير، وعموماً، فإن السجن المدني والشرطة المدنية النظاميين لا يرتكبان إساءات كبيرة، ومع ذلك نجد استثناءات كثيرة، ويغلب أن تكون القوات المسلحة، وقوات شرطة الأمن السرية، ومعسكرات الاعتقال هي المسئولة في معظم الأحيان عن جرائم التعذيب وأحكام الإعدام اللاشرعية على مستوى العالم. ومن إحدى السمات التي تميز التعذيب والاضطهاد أن الضحية تكون عادة إما محتجزة أو تكون بشكل مؤقت تحت سلطة القوات الحكومية، بما في ذلك اقتحام الجنود لمنزل خاص، كل الوفيات في حالة السجن- يجب أن يتم فحصها بعناية، حتى يتم التأكد من أن الحراس سليمون تماماً من أي شبهة أو سوء معاملة أو حتى اكتشاف أي سوء في المعاملة، فالحالة المميتة يمكن أن تكون مختلفة تماماً عن الاضطهاد غير الميت، والضحية التي تم ضربها يمكن أن يتم التخلص منها بإطلاق الرصاص عليها، وكما في كل عمل طبي شرعي، لا يمكن للاستقصاءات المرضية إلا أن تكون جزاء من الاستعلام الكلي، ومثال آخر عن التعاون والعمل ضمن فرق البحث بين كل الأنظمة. ومن الفروقات الرئيسية، والمشاكل الكبيرة، في تحري واستكشاف التعذيب وانتهاك الحقوق المدنية هو عدم تعاون السلطات الحكومية داخل الدولة التي حدثت فيها ومعاداتها للإعلام، ومن خلال الوكالات الدولية المحترمة، مثل الصليب الأحمر، ومنظمة العفو الدولية، وأطباء لأجل حقوق الإنسان وال ccfs ، وجمعيات حقوق الإنسان داخل تلك الدول يمكن للأطباء الشرعيين أن يحصلوا على أفضل الفرص للدخول والسماح بالحصول على المادة المتعلقة بهم، والمنظمات المذكورة أعلاه ترغب بأن تقوم وتساعد في إجراء التحريات الطبية الشرعية (القانونية) في أي مكان من العالم. ومن إحدى المشاكل الخاصة المرتبطة بإنتهاك حقوق الإنسان في أغلب الأحيان التأخير الطويل قبل أن تكون قادراً على فحص الضحية، فالأحياء يمكن أن يحتجزوا لعدة شهور أو سنوات بعد سوء المعاملة، أو يمكن أن ينفوا إلى مكان أو أماكن خفية قبل أن يمنحوا الفرصة ليراهم أي مراقب طبي نزيه غير متحيز، وخلال هذا الوقت يمكن أن تشفى الأذيات الحادة وترتشف الكدمات وتلتئم الجراح وتتندب الحروق، وعند الأموات فإن التغيرات الحاصلة بعد الوفاة شائعة، فالجثة يمكن أن تدفن ثم ينبش القبر قبل الفحص، حتى أن المادة العظمية قد تكون هي كل ما تبقى في بعض الأحيان، ومشاكل تحديد الهوية تكون في أغلب الأحيان صعبة، والصور الحديثة للأضرار غالباً ما تكون من نوعية رديئة وتسهيلات الفحص الطبي للجثة تكون بدائية في بعض البلدان الأقل تطوراً، وعند وجود أي شكوك وافتقار للتعاون وغالباً العدائية الواضحة من السلطات المحلية فإن مهمة الطبيب الشرعي تصبح هائلة بالفعل. (1) الضرب هو أكثر الأشكال الشائعة للتعذيب ويمكن ان يتخذ اشكالاً عديدة، تختلف باختلاف كل من السلاح المستعمل ومنطقة الجسم المضروبة، فلقد وردت في التقارير التي سجلها هوقن عام 1988 حالات ضرب على كل من الرأس وباقي اجزاء الجسم، مالم يكن الضرب شديداً ومتكرراً فهو في الغالب لن يكون المسبب الوحيد للموت، مع العلم بأن الموت يمكن ان ينجم عن نزف دموي او خمج او اذية لعضو من الأعضاء الداخلية او من الإعياء والألم الشديد عند الضحية الضعيفة، قد تكون اداة الضرب قبضة اليد او القدم، ولكن في اغلب الأحيان بواسطة سلاح ما، وإن استعمال السوط وأداة شبيهة به امر شائع، ولكن قد تستعمل قضبان معدنية او خشبية او هراوات او عصى او اعقاب البنادق او الأحزمة، ومؤخراً اصبحت خراطيم الأنابيب البلاستيكية هي المفضلة في بعض مناطق من العالم. والعديد من هذه الأدوات تنتج آفات جلدية متميزة وتحديداً كدمات خطية احادية وثنائية الحد، فالكدمة ذات الخط المزودج تكون مؤلفة من خطين متوازيين مع منطقة شاحبة غير متكدمة بينهما. قد يعطى شكل السلاح ذاته، فإذا كان السوط مصنوعا من الجلد على سبيل المثال، فإن الظفائر المعقودة تضرب على الجلد، ويمكن لهذا النموذج ان ينطبع بوضوح على البشرة، قد تفيد الأبازيم المعدنية الموجودة على الحزام والأشياء الاصطناعية المميزة الأخرى في التعرف على السلاح المستعمل، وعندما تكون الكدمات عميقة لا نستطيع ان نرى انطباع السلاح، قد يتمزق الجلد فتحدث سحجات او تهتكات، والضرب المتكرر يترك علامات متعددة غالباً ما تتقاطع وتتداخل مع بعضها، ويكون لها بشكل عام الاتجاه نفسه مما يشير الى ان المعتدي كان واقفاً بشكل نوعا ما بالنسبة للضحية، وعلى سبيل المثال، فإن الجلد على الظهر يمكن ان يترك آثار وعلامات تتجه من اعلى اليمين الى اسفل اليسار، وهذا يعطي انطباعاً بأن الضارب بيده اليمنى كان يقف يسار الضحية. ان استعمال السوط المتعدد الرؤوس، كالسوط المسمى بالقط ذي الأذيال التسعة، سيترك مجموعة من الآثار والعلامات وبشكل عام ذات اتجاه واحدة، وغالباً ما يكون الظهر الهدف لكن الجلد والضرب يمكن ان يطبق على الوركين والفخذين ومقدمة الصدر والبطن والقسم السفلي من الساقين وأخمص القدمين وحتى العجان والأعضاء التناسلية. والضرب على اخمص القدمين بالعصي والقضبان الخيزرانية هو نوع من التعذيب له جذور في التاريخ القديم وهو ما يدعى (بالفلقة)، وهو قد يترك علامات اقل نسبياً، بالرغم من انه مؤلم وموهن بشدة، ان النسيج القاسي والوجه الثخين للقدم لا يكشف بسرعة عن الرضوض، بالرغم من انه يمكن رؤيتها في التشريح العميق للضحايا الذين قتلوا بطرق اخرى. اذا حدثت هذه الإصابات قبل شهور من الفحص قد لا نجد الا القليل من العلامات او حتى قد لا نجد شيئاً مالم تتمزق البشرة الجلدية وعندئذ تحدث الندبات. (2) اصبحت الحروق لسوء الحظ شائعة وقد تكون السبب الحقيقي للوفاة او ان تكون مرئية كدليل ندبي عن تعذيب سابق، ويمكن ان يعاني الضحايا من كل انواع الحروق، فهناك حروق شديدة من المطاط المذاب المنقط على الضحايا من اطارات السيارات المعلقة فوق رؤوسهم، والحديد المحمى وقد وضع على الجلد، الخرق المشتعلة المبللة بالكيروسين ملفوفة حول الطرف، والسجائر المشتعلة. (3) قد يحدث الجرح والطعن بأنواع مختلفة من الأسلحة، لكن الجروح الناجمة عن السكاكين والحراب هي الأكثر شيوعاً في عملية التعذيب وتنفيذ الإعدام غير القضائي، قد يمكن تمييز ندبات الجروح الطعنية القديمة كالطعنات الإهليلجية الناجمة عن الحربة العسكرية حتى بعد مضي عدة شهور او سنين على الإصابة. (4) اما الوفيات الناجمة عن الاختناق والغرق فهي غير شائعة، بالرغم من ان الممارسات غير المميتة لهذا النوع من التعذيب هي من الطرق المعروفة في سوء المعاملة، وهناك ايضاً التغطيس المتكرر لرأس الضحية تحت الماء او حتى في سائل قذر كمياه الصرف الصحي، وقد يسبب ذلك الغرق، او انسداد الطرق التنفسية او فيما بعد ذات الرئة، ووضع الرأس داخل كيس بلاستيكي يكون وسيلة لعدم اهتداء الضحية اكثر من ان يكون وسيلة للتعذيب الجسدي، لكن الاختناق الجزئي بواسطة وسائل مشابهة قد تؤدي في النهاية الى الموت. (5) التعذيب الكهربائي امر شائع وموثق جداً، اما بتيار كهربائي 110 فولت او 220 فولت، وقد يؤدي الى اختلاجات قلبية مميتة اضافة الى الحرق الموضعي، ويمكن تطبيق التيار في اي مكان، لكن الأعضاء التناسلية هي الأماكن المفضلة للتعذيب، وبخاصة القضيب والخصيتين، حلمتا الأنثى تكونان ايضاً هدفاً للتعذيب. (6) والتعليق هو ايضاً تعذيب شائع، بالرغم من انه بحد ذاته ليس مميتا على الأغلب، فإذا شوهدت الضحية بشكل سريع نسبياً بعد محنة التعذيب عندها قد نرى سحجات وكدمات وعلامات الاحتكاك في اماكن الرباط، وهي عادة على القدمين والذراعين وفي بعض الأحيان الأعضاء التناسلية. (7) الاضطهاد الجنسي أيضا شائع.. عند النساء قد يكون الاغتصاب متعددا وقد يترك علامات وآثاراً جسدية عديدة. (الجماعي) ٭ ماذا يقصد بالإعدام غير القضائي؟ - تم اغتيال مئات الآلاف (وقد يكون الملايين) من الضحايا في السنوات الأخيرة من قبل الهيئات الحكومية العاملة تماما خارج النظام القانوني، وبسبب أصول عرقية ونزعات قبلية أو آراء سياسية فإن مجموعات سكانية كاملة اختفت من الوجود عن طريق الإبادة الجماعية، والمعروف الشائع عن هذه الاختفاءات أنها تفسر بالقتل، أما عن طريق القتل الجماعي بواسطة الاستئصال الجماعي الذي تقوم به فرق الابادة، وقد ازدادت حديثا هذه الوسائل في بعض الدول وتجاوزت الحد المعقول، مما أدى إلى توجيه العديد من الجهود الطبية الشرعية نحو التعرف على الضحايا واثبات طرق التعذيب. وحيث إن الحدث يظهر على الضوء بشكل متأخر جدا، فلإن معظم عمل الطب الشرعي يتركز على التعرف على الهياكل العظمية والتحريات عن أسباب الوفاة، وعندما تتفسخ الجثث أو تصبح هيكلا عظميا فان أذيات الطلق الناري أو أذيات الرأس قد تكون النوع الوحيد للموت الذي يمكن أن يكتشف بعد نبش القبر، واجراءات الفحص الطبي للجثة قد تشبه اجراءات الكارثة الجماعية، حيث نجد أعداداً كبيرة من الضحايا، وقد يحتاج الأمر في مثل هذه الحالات إلى خبرة أطباء الأسنان واخصائي علم البشريات وتقنيات علم الآثار، والبصمة الوراثية. الوفاة ٭ ما أبرز هذه المخاطر من جراء الإجراءات وهل تفضي للوفاة؟ (1) الاختناق الرضي وبالأخص عندما ينقضون بعدد كبير ويتكومون فوق أحد السجناء ويقاتلونه بشكل جنوني، ويكون المكوت ناجما عن الاختناق الرضي. (2) قيود اليدين أو مثبتات العنق المستعملة من قبل مسؤولي الشرطة للقبض على الأشخاص المقاومين هي أسباب أخرى للموت أثناء الاعتقال، وكانت هذه المحاولات مروعة في الولاياتالمتحدة، حيث كان رجال الشرطة يدربون على وضع الأصفاد والأطواق في عنق المعتقل لمنعه عن الحركة، والأخطار تكمن في ضغط مقدمة أو جانبي العنق. (3) قد تحدث الأذية الكلية من استعمال قبضة اليد أو الذراع أو القدم أو استعمال السلاح مثل الهرواة وعصى الشغب او عقب المسدس، قد تحدث الأذيات على الجانبين وذلك خلال صراع، الذي يحدث عادة مع شرطي أو أكثر عندما يحاولون اخضاع الشخص المخالف الذي يقاوم، إن كل أنواع الأذيات قد تؤدي إلى الإعاقة وبعضها مميت، قد تحدث أذيات الرأس أثناء المشاجرة بسبب السقوط إما على الأرض أو الارتطام بجدار أو عائق آخر، وإن لكمة قوية على الوجه قد تسبب نزيفا أنفيا بلعومياً يمكن أن يؤدي إلى انسداد المجرى الهوائي، وبخاصة لدى شخص مخمور، والضربة على جانب العنق يمكن أن تؤدي إلى توقف قلب انعكاسي أو نزيف تحت العنكبوتية ناجم عن تأذي الأوعية الفقارية القاعدية. (4) الكحول سبب للموت يشاهد بكثرة داخل السجن، ليس فقط لكونها السبب الرئيسي في إثارة الاعتداء والمقاومة العنيفة، وما ينجم عن ذلك من النتائج المذكورة سابقا، ولكن ايضا لكون الكحول له تأثيرات أخرى تؤدي إلى الموت أثناء وجود المخمور في عهدة الشرطة. (5) الانتحار داخل السجن ليس نادراً، وغالبا ما يؤدي إلى اتهامات وتجريم من الأقارب حول نقص الرقابة، وحديثا يلاحظ ازدياد مفاجئ لمثل هذه الوفيات على مستوى العالم، وبخاصة بين المخالفين الأحداث وهم بانتظار المحاكمة، ومعروف جيدا هذا الخطر بالسجن لدرجة ان قوات الشرطة تحرم السجين من حيازة أي شيء يمكن أن يستعمله ليشنق نفسه داخل زنزانته مثل الحزام أو الحبل، اضافة لذلك قد تصمم زنزانة الشرطة لتجنب أي نقاط تعليق ملائمة كالخطاف والقضبان أو حتى القبضات الداخلية للأبواب، وبالرغم من هذه الاحتياطات يستطيع السجناء ان يدبروا بعض الوسائل لقتل أنفسهم. الاتهامات الموجهة إلى السجانين في أن الانتحار الظاهري بالشنق هو في الحقيقة قتل وليس انتحارا يمكن عادة دحضها بالفحص الطبي للجثة الذي لا يبدي أية آثار لكدمات أو سحجات أو مقاومة.