على امتداد التاريخ وتعاقب الأزمان، تظل البلدة المحرمة مكة الحبيبة، بلدة أمان وسلام ومحطة وئام تجتمع على ثراها القلوب المؤمنة، وتهفو إليها النفوس المؤمنة، فعليها ولد سيد البشر صلى الله عليه وسلم، وهي الأرض التي أحبها وتمنى البقاء فيها، وقد حقق الباري سبحانه أمنيته ورده إليها فاتحاً منتصراً «إن الذي فرض عليك القرآن لرادك إلى معاد» هذه البلدة أمر الله جل وعلا بتعظيمها ورعاية حرمتها، وحذر من الاستهانة بها حتى إنه سبحانه لم يرتب عقوبة على إرادة الإثم إلا لمن أراد فيها سوءاً، فما أعظمها من بقعة وما أجلها من بسيطة مشرفة، زرع فيها الأمن، وبسط فيها الأمان حتى البهائم والعجماوات نالها حظ وفير من ذلك الأمن فلا ينفر فيها صيد، ولا يعضد فيها شوك، وإن البشرية اليوم وهي تبحث عن الأمن بكافة جوانبه السياسي والفكري والغذائي، ظلت أسيرة نظريات عمياء لخطط وأفكار وبرامج مقننة تبحث بلهف عن هذه النعمة نعمة الأمن والأمان، ولقد أرشدنا المصطفى صلى الله عليه وسلم وهو الذي لاينطق عن الهوى عن هذه النعمة وبين ارتباطها الوثيق بتعظيم هذه الحرمة، فعن عياش بن أبي ربيعة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لاتزال هذه الأمة بخير ماعظموا هذه الحرمة حق تعظيمها، فإذا تركوها وضيعوها هلكوا» أخرجه الإمام أحمد وابن ماجه وحسنه الحافظ ابن حجر. ثم إن المتأمل لهذا النص النبوي يدرك أبعاداً جليلة تحفظ أمن الأمة لتتواصل خيريتها وتظل بركتها وعطاءاتها إلى قيام الساعة، فالبلدة المحرمة بمثابة القلب النابض لجميع الأمة الإسلامية، ونحن نرى اليوم كم هي الأمم التي تقدم على هذه الديار المقدسة كل عام وهي تحمل في قلبها، قيم التعظيم والإجلال لهذه البقعة فما أروعها من صورة تجسد لحمة هذه الأمة وصلتها وارتباطها في كل وقت وحين. فمن هنا من أرض القداسة دعوة صادقة لكل مسلم يعيش في مكة أو قدم إليها زائراً أو معتمراً أن يراعي هذه الحرمة حق رعايتها وليستشعر أنه في بلدة شرفها الله ومشى عليها سيد الخلق صلى الله عليه وسلم، وحذار أن تؤتى الأمة من مسلم ضيع حقوق الله وحقوق عباده على أرض حرمها الله بانتهاك حرمتها بما يغضبه سبحانه، اللهم اجعلنا ممن عظم شعائرك، وعظم أمرك ونهيك. آمين