عندما أعلن الرئيس اليمني علي عبدالله صالح في تموز/يوليو الماضي أنه لا يعتزم خوض الانتخابات الرئاسية العام القادم بحث الكثير من اليمنيين عن إجابة لسؤال واحد: «هل سيمتطي صهوة الاسد رئيس جديد؟». ليس من السهل الحصول على إجابة لهذا السؤال إذا كنت مقتنعا بالمقولة الخيالية أن «حكم اليمن كالركوب على ظهر الاسد» للدلالة على الصعوبات الجمة التي تواجه من يحكم هذا البلد. وكان إعلان صالح (63 عاما) أنه لن يترشح للانتخابات الرئاسية المقرر إجراؤها في أيلول/سبتمبر 2006 مفاجئا خصوصا أن دستور البلاد يسمح له بفترة رئاسية جديدة مدتها سبعة أعوام بعد انتهاء ولايته العام القادم. وبرر صالح مبادرته هذه برغبته في إرساء نموذج للتبادل السلمي للسلطة في المنطقة. وقال صالح في خطاب في احتفال بمناسبة الذكرى السابعة والعشرين لتوليه مقاليد الحكم: «لن أترشح في الانتخابات القادمة. نريد أن نؤسس نموذجا للانتقال السلمي للسلطة». ويتربع صالح الذي يتمتع بشخصية جذابة ونظرة ثاقبة على قمة السلطة منذ عام 1978 حين انتخب للمرة الاولى من قبل المجلس التأسيسي (مجلس الشيوخ) فيما كان يعرف باليمن الشمالي بعد اغتيال الرئيس أحمد الغشمي. وعندما اتحد شطرا اليمن الشمالي والجنوبي في أيار/مايو 1990، استلم صالح السلطة مجددا في الدولة الموحدة وهي الجمهورية الوحيدة في شبه الجزيرة العربية. وفي عام 1999 انتخب لفترة رئاسية مدتها سبع سنوات في أول انتخابات رئاسية مباشرة وحصل على 96 في المئة من أصوات الناخبين. وتنتهي ولايته الحالية العام القادم غير أن دستور البلاد يسمح له بتولي الرئاسة لفترة ثانية. وأتقن صالح مهارات التعامل مع التكوينات القبلية المعقدة وكذلك مع الاسلاميين ليكسب بذلك المساندة الضرورية للبقاء في السلطة في مجتمع تهيمن عليه التجمعات القبلية. وتمكن صالح خلال فترة حكمة من تجاوز العديد من العقبات، كانت أشدها محاولة انفصال قادها زعماء جنوبيون في صيف عام 1994 وتمكنت القوات الموالية له من سحق تلك المحاولة. وعزز ذلك الانتصار حكمه حيث أنهى نظام تقاسم السلطة مع زعماء الجنوب السابقين. ولم تعلن حتى الآن أي من أحزاب المعارضة نيتها لتقديم مرشحين إلى الانتخابات الرئاسية القادمة. غير أن من المتوقع أن يرمي حزب (الاصلاح)، أكبر أحزاب المعارضة، الذي يرأسه الزعيم القبلي القوي ورئيس البرلمان عبدالله بن حسين الاحمر بثقله وراء صالح في تلك الانتخابات. ومن المتوقع أن يحبط الاحمر الذي يحتفظ بصلات قوية مع صالح أي محاولة من قبل حزبه لتسمية مرشح ينافس صالح في السباق الرئاسي. فعلى الرغم من أن (الاصلاح) ينتقد بشكل مستمر صالح وحكومته ويتهمهم بإساءة استغلال السلطة والفساد، إلا أن هذا الحزب ذا التوجه الاسلامي ساند صالح في انتخابات عام 1999. إلا أن زعماء آخرين في حزب (الاصلاح) يبدون أكثر تفاؤلا بأن يحترم صالح تعهده بمغادرة القصر الرئاسي ويرون أن إعلانه أنه لن يسعى إلى فترة ولاية أخرى لم يكن «كذبة كبرى». ويقول محمد قحطان رئيس الدائرة السياسية ب (الاصلاح) إن «الرئيس علي عبد الله صالح ليس من الزعماء الذين تعودوا أن يكذبوا تلك الكذبات الكبيرة على شعوبهم». لكن بعض المراقبين الاجانب لايرون أي فرصة للتغيير السلمي للسلطة في اليمن تلوح في الافق، قائلين إن من الصعب تصديق أن «صالح» سيفي بوعده بالتخلي عن السلطة. وقال دبلوماسي غربي في صنعاء: «يبدو غير قابل للتصديق أن تسمع أن رئيسا عربيا لن يسعى إلى إعادة انتخابه، فقط لكي يؤسس نموذجا للانتقال السلمي للسلطة». وأضاف الدبلوماسي الذي طلب عدم ذكر اسمه: «أعتقد أنها مجرد مناورة سياسية». ويعتقد مارك كاتز أستاذ العلوم السياسية بجامعة جورج ماسون الامريكية أن «صالح» سيخدم بلده والمنطقة بشكل أفضل إذا لم يرشح نفسه للانتخابات القادمة واستخدم بدلا من ذلك سلطته الكبيرة في إجراء انتخابات حرة ونزيهة. ويقول كاتز إن «نقل السلطة بشكل طوعي إلى خليفة منتخب سيكون أعظم ميراث يمكنه (صالح) أن يتركه لليمن وسيكون بمثابة نموذج للعالم العربي بأكمله». ويضيف أن «محاولة الاستمرار في إبقاء السلطة في اليمن في يديه وأيدي أسرته، قد يؤدي إلى عودة الصراع الذي يظهر تاريخ اليمن القريب أن هذا البلد عرضة له بشكل كبير».