في كل يوم نرسم صورة حسناء.. ونتغنى كما تتغنى الطيور في السماء.. نبصر دوماً دروب الحياة المظلمة.. ونشق طريقنا بوثبات قادمة.. نرسم بسمة على ثغر الكون.. فتفيض لنا الأحلام.. كما تفيض ينابيع المياه.. هناك.. نزف البشرى والمنى.. لكل من تجرعت حياته كؤوس المرارة.. لكل من تاه على الطريق.. كما يتيه طفل يبحث عن أحضان السعادة.. هناك تجري الأيام.. فنغير مجراها.. ونغزو معالم التاريخ.. فنسطر من خلاله حروفاً باقية.. رأيته من بعيد.. مطرقاً رأسه.. قد عزفت أنامله على أوتار الحزن.. لحناً يبكي من حوله.. نغمة حين تسمعها.. تود لو ما في الأرض من شيئاً ثميناً.. لتهديه.. ولتخفف عنه.. رأيته قد شخصت أبصاره.. وسال دمعه.. وتبددت بسمته.. قد كان صفواً للحياة البائسة.. ونوراً للحياة الهانئة.. رأيته والآلام قد اعتلت محياه.. وقد أعاقته الإعاقة عن تحقيق أحلامه ومناه.. وإشراقة بشرياته فوق الجبال.. فقد قيدوه لأنه معاق. إنه المعاق الذي قيده الأحرار.. وأساءوا إليه.. بل ويقذفون سهامهم نحوه.. محطمين ومثبطين.. يعاملونه وكأنه من عالم آخر.. يعاملونه بعنف وشدة.. بل ربما لو كانت إبادته حلالاً لأبادوه.. أناس لا يحكمهم إلا شهواتهم.. قد سرقوا النضارة من وجهه.. وبدلوها بها الحزن والكآبة.. رجوته بأن يكون كالصخر شامخاً.. أمام هؤلاء المرجفين.. شددت من أزره.. وقلت.. كم من معاق قد قاد أمة.. لا تكن مستسلماً لهم.. بل كن أمة في رجل.. كن رجلاً تعلمك المواقف.. كن بطلاً تؤدبك الحياة.. كن أمامهم كياناً لا يتزعزع.. وثق بالله فالأمل قادم.. ولا تيأس. قال والأمل قد عاوده من جديد.. ودبت فيه روح معنوية.. أنتم من تبنون الغد بكلماتكم النيرة.. فأنتم لنا نبراس في الدياجي المظلمة. تركته ومضيت في دربي.. ورجوت الله بأن يكون من هؤلاء أبطال.. يقف التاريخ حائراً أمام أفعالهم.