حينما تلقيت دعوة الأستاذ منقذ السريع رئيس مجلس إدارة فرقة مسرح الخليج العربي بالكويت، لحضور احتفاليتها بمناسبة مرور أربعين عاماً على تأسيسها.. لم أكن أتصور انني سأكون في وسط حشد كبير من كبار المسرحيين والمسرحيات - كتاباً ومخرجين وممثلين - جاءوا من كل مكان في عالمنا العربي.. فهذا أحمد الطيب العلج من المغرب.. ويوسف العاني من العراق.. ونبيل المشيني من الأردن.. وسعد أردش من مصر.. ومنى واصف من سوريا.. وغانم السليطي من قطر.. وسميرة البارودي من لبنان.. وعز الدين المدني من تونس.. وسعاد علي من البحرين.. وعلي مهدي من السودان.. وعبدالرحمن الصالح من الامارات.. وآخرون من عرب وكويتيين بلغوا قرابة مئة مدعو من الأسماء اللامعة في سماء المسرح العربي.. جاءوا ليقدموا شهادة تقدير في تجربة هذه الفرقة المسرحية التي أنشأها شباب من الهواة.. كانت تخفق بين جوانحهم تطلعات حارة نحو وضع الهموم المحلية والعربية، على خشبة مسرح طليعي يتجاوز الارتجال والإضحاك.. ?? وكان الثنائي صقر الرشود مخرجاً وعبدالعزيز السريع كاتباً، علامة جديدة في طريق طويل مشى في دربه المسرحي ممثلون وكتاب وإداريون.. بمعنى ان هذا الثنائي لم ينبت نباتاً شيطانياً.. بل كان ثمرة حركة وتراكم فصقر الرشود بدأ بنصه المسرحي «تقاليد» انطلاقاً من المسرح الشعبي الذي أسسه فنان الارتجال الكوميدي محمد النشيمي سنة 8591م.. في حين نشأ المسرح العربي سنة 1691، على خلفية التقرير الفني، الذي قدمه المخرج المسرحي المصري الشهير زكي طليمات، اثر تلبيته دعوة الأستاذ الراحل حمد الرجيب، رائد العمل المسرحي الكويتي لزيارة الكويت سنة 8591م، والاطلاع على ممكنات إنشاء مسرح حديث، وكذلك معهد للفنون المسرحية. لم يكن هذا النشاط المؤسس للثقافة والذائقة الحديثة في المجتمع الكويتي منفصلاً عن مبادرات رائدة على صعيد انشاء مؤسسات أهلية، قادرة على دفع مؤسسات الدولة الوليدة الى الأمام.. خاصة وأن العمل المسرحي تزامن مبكراً مع بدايات حركة دستورية في الثلاثينيات الميلادية. وبوصف الكويت حلقة من حلقات المجتمعات المحافظة في الجزيرة والخليج، غير المهيأة في الأصل لحركة تغييرية إلا بقوة الإرادة السياسية، نظراً لافتقار مجتمعاتها - حينئذ - لديناميكيات التغيير والتحديث، فإن المسرح هناك في بدايته كان ينتظر مبادرة سياسية. ?? لقد لفت نظري - كما لفت أنظار آخرين - الأديب الكويتي الاستاذ عبدالله خلف في كلمته المكثفة التي ألقاها في حفل الافتتاح.. إشارته إلى قصة بدء أول أو ثاني عمل مسرحي في الكويت.. وهي مسرحية «إسلام عمر».. بأن أمير الكويت الحالي الشيخ جابر الأحمد الصباح كان واحداً من ممثلي تلك المسرحية!! بعد خروجي من حفل الافتتاح برعاية النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء ووزير الداخلية ووصولي مع المدعوين الى الفندق.. رحت أطالب الصديق الأستاذ عبدالعزيز السريع بسرعة إحضار كتاب مؤرخ الكويت الثقافي أستاذنا الراحل خالد سعود الزيد المعنون ب «المسرح في الكويت.. مقالات ووثائق »الصادر سنة 3891م، لإحساسي بأنه سوف يذكر تفاصيل ما اشار إليه الأستاذ عبدالله خلف.. فدعونا نقرأ - غداً - ما كتب الزيد عن بواكير العمل المسرحي في بلاده سنة 9391م.