إن العدو الوحيد والأساسي للبنان هو اسرائيل. وإن احتلالها للأراضي اللبنانية وإصرارها على اعتقال مواطنين لبنانيين وعدم تسليم خرائط الأراضي المزروعة بالألغام واعتداءاتها هي السبب في المقاومة التي حققت إنجازاً لا مثيل له في تاريخ الصراع العربي الاسرائيلي ضرب مسلسل الإرهاب مجدداً لبنان، وخسرنا رمزاً من رموز الحرية والديموقراطية فيه، وعلماً من أعلام الصحافة والكلمة الحرة، الشهيد النائب جبران تويني. ولا أدري ماذا يمكن أن يحدث في الوقت الفاصل بين كتابة هذه الكلمات ونشرها!! فالواقع يشير إلى أن يد الإجرام والإرهاب والقتل هي أكبر وأقوى حتى الآن من المحاولات الرامية إلى تعطيل الأدوات التي تستخدمها، ويبدو أن لبنان، ذاهب إلى مرحلة جديدة من التأزم والمصاعب والمتاعب إذا لم تقم حركة استيعابية داخلية وخارجية لتدارك الأسوأ وتفادي خسائر جديدة. كيف يمكن أن يتم ذلك في ظل هذه الأجواء؟؟ إذا انطلقنا من كلام الرجل الكبير غسان تويني، والد الشهيد جبران، والذي أكد مرة جديدة أن إرادة الحياة عنده أقوى من كل محاولات القتل والإجرام، وأن الأوطان لا تُبنى بالأحقاد والانتقام والدم، وأن المستقبل لا يُبنى إلا بالثقة والوحدة، إذا انطلقنا من هذه الثوابت، أدركنا حجم العمل والمبادرات التي تنتظر سائر القوى السياسية اللبنانية والقيادات الفاعلة والمؤثرة. وينبغي الاعتراف أن ثمة اهتزازات سياسية كبيرة في البلاد انعكس بعضها اهتزازاً في الوضع الحكومي بتعليق بعض الوزراء مشاركتهم في الحكومة بعد قرارها طلب إجراء محاكمة ذات طابع دولي بجريمة اغتيال الشهيد رفيق الحريري، وفي توسيع عمل لجنة التحقيق الدولية أو تشكيل لجنة مستقلة جديدة للنظر في الجرائم التي ارتكبت منذ جريمة محاولة اغتيال الوزير مروان حمادة وحتى جريمة اغتيال النائب جبران تويني، وكذلك ثمة اهتزازات أمنية، وقلق عند اللبنانيين من عدم الوصول إلى نتائج ملموسة في أي من الجرائم التي ارتكبت، ويضاف إلى كل ذلك ضغط إسرائيلي لم يتوقف على ساحتنا يتجسد بالاعتداءات اليومية على أرضنا، وبالإصرار على عدم تسليم الخرائط المتعلّقة بالأراضي المحررة والمزروعة بالألغام وبالتالي هي محتلة بطريقة غير مباشرة، ويسقط دائماً عدد من الشهداء والجرحى من أبناء بعض القرى ضحايا انفجار هذه الألغام. إضافة إلى الانتهاكات الدائمة للأجواء اللبنانية والمياه الإقليمية، والتهديدات المستمرة. ولا شيء يشير إلى أن ثمة إمكانية لوقف هذا المسلسل ما دام مجلس الأمن، وبضغط أميركي مباشر يساند اسرائيل بشكل أو بآخر ويمنع إدانتها!! يبدو لبنان اليوم مجدداً بلد الهواجس الفردية والجماعية على مستويات الجماعات والأحزاب والطوائف. وإذا لم يبدد أبناءه كل هذه الهواجس فلن يأتي أحد لتبديدها!! وآن الأوان لنتعلم جميعاً من تجاربنا وتجارب غيرنا في الوقت ذاته. وليس باستطاعة أي فريق أن يعالج مشاكله بشكل منفرد وهذا يتطلب جهداً مشتركاً يكون أساسه اتفاق على مسلمات رئيسية ينبغي عدم تجاوزها. وفي طليعتها، أن العدو الوحيد والأساسي للبنان هو اسرائيل. وأن احتلالها للأراضي اللبنانية وإصرارها على اعتقال مواطنين لبنانيين وعدم تسليم خرائط الأراضي المزروعة بالألغام واعتداءاتها هي السبب في المقاومة التي حققت إنجازاً لا مثيل له في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي وبالتالي فإن استمرارية المقاومة في ظل هذا الوضع هي قناعة وواجب، لحماية لبنان، وأن حمايتها بالتالي هي حماية لأمن واستقرار ومستقبل اللبنانيين. وهذا الأمر لا يجوز أن يتأثر بأي خلاف داخلي على أي قضية من القضايا وإلا لا يعود من المسلمات وانطلاقاً من هذا الأمر الأساسي، فإن متابعة أي شأن من شؤوننا الوطنية والداخلية، وحتى الجرائم التي ارتكبت، لا يجوز أن ينعكس سلباً على هذا المبدأ، مهما كانت الخلافات، بمعنى أن لا يسمح لأحد باستغلال أي أمر للدخول إلى ملعب تصفية حساب مع المقاومة، فالحرص على المقاومة وكوادرها هو واجب وينبغي ألا يتأثر بأي أمر، ولذلك، فإن الاهتزاز الذي أحدثته قرارات الحكومة الأخيرة، حول المحاكمة ذات الطابع الدولي وتوسيع التحقيق، ينبغي أن يكون واضحاً للداخل والخارج، أنها (أي القرارات) لا يمكن أن توضع أُسسها في حال تمت الموافقة عليها، والصيغ المتعلّقة بتنفيذها دون تشاور مع الحكومة، التي لا يمكن لها إلا أن تنطلق من المبدأ الذي أشرت إليه والحرص على حمايته، وبالتالي الحرص على المقاومة أيضاً لأن في ذلك حرصاً على أنفسنا!! وفي هذا السياق وبالتطلع إلى القضايا الأخرى الشائكة والمعقدة التي أثارت أزمات ثقة بين الأطراف المختلفة المتحالفة هنا في إطار تركيبة معينة أو المتحالفة هناك في إطار تركيبة أخرى، فإن الواجب يقضي بالتطلع بأفق واسع وشجاعة إلى كل الملفات الخلافية. من العلاقة مع المسؤولين السوريين - ولا أقول مع سوريا لأنها كانت ويجب أن تبقى أساسية وراسخة في أذهان وقناعات وثوابت الجميع، علاقات قوية متينة مميزة تحمي البلدين ومصالحهما - إلى معالجة السلاح الفلسطيني، وإدارة شؤون الدولة في ظل المرحلة الانتقالية التي نعيشها بعد التطورات الأخيرة من انسحاب القوات السورية من لبنان، وصولاً إلى النظرة المستقبلية للبلد. إن ذلك يفرض علينا جميعاً أن نتفهم الواقع القائم بعد التطورات الدموية الأخيرة في لبنان وننطلق من قراءة واقعية لحجم الأخطاء بل الخطايا التي ارتكبت ونتلاقى في منتصف هذا الطريق كي لا يبقى أحدنا مركزاً على كل المواضيع ومتجاهلاً هذا الموضوع، وأن لا يغرق البعض الآخر في التركيز على هذه القضية على أهميتها ومخاطرها دون غيرها أو يخلط عناصرها مع عناصر أخرى!! المرحلة دقيقة وحساسة جداً وعامل الوقت ليس لمصلحتنا. ولا يجوز أن نصل إلى وضع نشعر فيه أن البلد متروك، داخلياً أو عربياً، أو دولياً لأن لذلك مخاطر كبيرة تنعكس على الجميع!! رحم الله جبران تويني ولنتعلم من كبيرنا غسان.