تم بمدينة الرياض إنشاء مركز يعنى بالإدارة المحلية وعلومها ودراساتها في المملكة العربية السعودية باسم مركز الأمير سلمان للإدارة المحلية. ويسعى المركز إلى تعزيز قدرة الأجهزة والمؤسسات الحكومية على تقديم أنشطتها وخدماتها للمواطنين بما يحقق الفاعلية والكفاءة في أجهزة الدولة المختلفة مما يساهم في تحقيق النمو الاقتصادي والاجتماعي ورفع مستواهما للدولة ومواطنيها. ولم يكن لحمل المركز اسم صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز أمير منطقة الرياض ورئيس مؤسسة الرياض الخيرية للعلوم حفظه الله بمستغرب علينا. فقد عرف من سموه ولازال يعرف عنه الاهتمام بالمواطن وشؤونه ودعم كل ما يحقق طموح المواطنين من تنمية اقتصادية واجتماعية وعمرانية بحكم موقع مسؤوليته الوطنية اميراً للمنطقة التي تقع فيها العاصمة السياسية والإدارية للمملكة والساهر على أمنها ومستقبلها. لقد عرف عن سموه الكريم الريادة الحقيقية والمبادرات الكبيرة في شتى المجالات وخاصة ما من شأنه المساهمة في تسهيل إجراءات الدولة ووصول رعايتها وخدماتها إلى المواطن حيث يكون ببلادنا العزيزة. ومن هنا كانت توجيهات سموه بإنشاء مركز الأمير سلمان للإدارة المحلية ليعنى بدعم الدراسات والبحوث العلمية وإعداد الكوادر البشرية المؤهلة في مجال الإدارة المحلية بجوانبها المختلفة، للتعامل مع كثير من قضايا التنمية الإستراتيجية التي تعيشها بلادنا. وإنشاء مركز كهذا كأول مركز علمي متخصص في بلادنا نابع من النظرة الفاحصة والإستراتيجية البعيدة المدى لمسؤولينا. وأنيط بالمركز مسؤوليات عظام تتمركز في تعميق مفهوم الإدارة المحلية وتطبيقاتها، ودعم مفهوم المشاركة الشعبية في الإدارة المحلية، وتنمية الموارد البشرية في مجال الإدارة المحلية. وكذلك يسعى المركز إلى معالجة مشكلات الإدارة والتنمية الإقليمية في المملكة، ودعم تطوير التنمية الإقليمية وتطوير الخدمات الحكومية. كما للمركز مسؤولية تنويع مصادر تمويل مشروعات التنمية المحلية مع توفير مصادر للمعلومات ذات صلة بالإدارة المحلية. ويثار من البعض أن المملكة حديثة في نظرتها ومفهومها للإدارة المحلية وتطبيقاتها، وبينها وبين الدول الأخرى التي تنفذ الإدارة المحلية فجوة كبيرة. ومن يتحدث بهذا الرأي قد أبتعد عن الصواب ولم يقرأ تاريخ المملكة جيداً. فمنذ تأسيس المملكة وقادتها حريصون على خدمة المواطنين ورعاية شؤونهم. وتؤكد القيادة يوماً بعد آخر على سياسة الباب المفتوح التي انتهجها المؤسس العظيم الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه. كما أنها تؤكد اهتمام القيادة بكل أجزاء الوطن الغالي ونشر التنمية والتقدم في أرجائه وتلمس احتياجاته. وهذا التصميم على خدمة المواطنين ورعاية شؤونهم كان واضحاً عندما يقول خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز: «لكم مني العدل ولي عليكم الطاعة ولي منكم النصيحة الصادقة». وما زيارات ولي العهد صاحب السمو الأمير سلطان بن عبدالعزيز المستمرة لمناطق المملكة التفقدية إلا لتؤكد على تلاحم القادة بالمواطن. إن المملكة العربية السعودية عنيت منذ تأسيسها على يد المؤسس العظيم الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه بتعزيز جوانب الإدارة المحلية، السياسة والاقتصادية والعمرانية والاجتماعية في السعودية. وأصدرت الأنظمة والقوانين الكفيلة بالنهوض ببلادنا من مرحلة لأخرى نقلة متأنية ومستمرة تحقيقاً لأهداف الدولة وتسهيلاً لأعمالها وخدماتها. ففي سنة 1346ه (1926م) أصدر الملك عبدالعزيز غفر الله له التعليمات الأساسية لنظام الحكم تضمنت شكل الدولة وإدارة المملكة ومجالسها وديوان المحاسبات. وتعتبر هذه الأنظمة الانطلاقة الأولى للإدارة المحلية للمملكة العربية السعودية. وبعد ذلك تطورت الإدارة المحلية بالمملكة وزادت احتياجات المدن ففي سنة 1357ه (1937م) صدر نظام أمانة العاصمة والبلديات لتصبح البلديات مسؤولة عن تنظيم القواعد الصحية والرقابية والتجميلية للمدن. وفي سنة 1359ه (1939م) صدر نظام بتقسيم المملكة إلى ثمان إمارات (الرياض، مكةالمكرمة، المنطقة الشرقية، المدينةالمنورة، حائل، الحدود الشمالية، القصيم، وعسير) ويرأس كل من هذه الأمارة أمير كحاكم إداري وممثل للحكومة المركزية وعليه مسؤولية الأمن والنظام. وإن التطور الذي حصل في زمن المؤسس الملك عبدالعزيز طيب الله ثراه للإدارة المحلية اقتضته وعززته المتغيرات المحيطة ببلادنا في ذلك الوقت. ولم تتوقف بلادنا في نظرتها للإدارة المحلية عند ذلك الحد فتطوير أنظمة الإدارة المحلية استمر في عهد الملك سعود وفي عهد الملك فيصل غفر الله لهما ليصدر نظام المقاطعات سنة 1383ه (1963م). حيث قسمت المملكة إلى مقاطعات ومنحت صلاحيات أكثر لأمراء المقاطعات والذين يرتبطون إدارياً بوزير الداخلية. وفي عهد الملك خالد غفر الله له لم يتوقف ذلك التطور والنمو للإدارة المحلية ببلادنا فصدر نظام البلديات والقرى سنة 1397ه (1977م) معتبراً البلديات مستقلة مالياً وإدارياً مراعياً الظروف الاجتماعية والسكانية والاقتصادية والعمرانية وغيرها لكل منطقة. ونظراً للظروف المحلية والعالمية وتيسيراً لخدمة المواطنين ورعاية شؤونهم وحماية لحقوق المواطنين صدر في عهد الملك فهد غفر الله له نظام المناطق في 30 ربيع الأول 1412ه (16 سبتمبر 1993م). لقد حرص النظام على رفع كفاءة الأداء الحكومي وذلك بمنح صلاحيات أوسع في الإشراف المباشر على مستوى الخدمات من قبل أمراء المناطق أو من ينوب عنهم. إن وجود مجالس المناطق ومجالس البلديات التي تضمنها نظام المناطق جعل العلاقة بين تلك المجالس وبين الحكومة المركزية أوضح وذات شفافية أكبر، وذلك خدمة للمواطن ومحققاً أعلى معدلات التنمية ومعززاً دور الإدارة المحلية بالمملكة العربية السعودية. إن المتأمل للمشهد التاريخي للإدارة المحلية للمملكة منذ تأسيسها يشعر بفخر واعتزاز بهذه التجربة العظمية. تلك التجربة الرائدة والمعززة بالتجربة الميدانية المحققة للأهداف ضمن خطط مدروسة. إن إنشاء المركز وفي هذا الوقت وبزخم من المفكرين والباحثين والمهتمين والممارسين عملياً للإدارة المحلية عالمياً ومحلياً ليعطي دفعة قوية ورائدة لطموح سمو أميرنا في دراسة التجربة السعودية. وكانت كلمات رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان سمو الأمير الدكتور عبدالعزيز بن عياف آل مقرن حول المركز مبشرة للطموحات المرجوة وخاصة قوله: إن مجلس إدارة مؤسسة الرياض الخيرية للعلوم المشرفة على جامعة الأمير سلطان برئاسة صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز، أقر إنشاء مركز الأمير سلمان للإدارة المحلية تحت سقف الجامعة، ويعنى بدعم الدراسات والبحوث العلمية وإعداد الكوادر البشرية المؤهلة في مجال الإدارة المحلية بجوانبها المختلفة، للتعامل مع كثير من قضايا التنمية الإستراتيجية التي تعيشها السعودية ودول الخليج. وتأهيل وإعداد الكوادر البشرية القيادية للعمل في الإدارة المحلية سواء مستوى المناطق أو المحافظات أو المراكز أو على مستوى الإدارة العمرانية للأمانات والبلديات، كما يهدف إلى دعم البحث العلمي للباحثين المتخصصين من داخل المملكة أو خارجها لدرس قضايا تتعلق بالتنمية الإدارية والاقتصادية والاجتماعية والعمرانية وقضايا الإدارة المحلية، إضافة إلى إقامة دورات متخصصة لتأهيل القوى البشرية الوطنية لكيفية إدارة قضايا التنمية وتطوير القرارات الإستراتيجية للتعامل مع هذه القضايا. وجميل أن ينطلق مركز الأمير سلمان للإدارة المحلية بمنتدى للإدارة المحلية يعتبر الباكورة الأولى لنشاطه. فنيابة عن أمير منطقة الرياض ورئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان، صاحب السمو الملكي الأمير سلمان بن عبدالعزيز افتتح منتدى وورشة عمل الإدارة المحلية الذي بدأت أعماله في الرياض أمين مدينة الرياض سمو الأمير الدكتور عبدالعزيز بن عياف آل مقرن وذلك بجامعة الأمير سلطان، بالتعاون مع برنامج الأممالمتحدة الإنمائي. خلال الفترة 20 -21 شوال 1426ه الموافق 22 - 23 نوفمبر 2005م، بهدف بحث أبعاد الإدارة المحلية، السياسية والاقتصادية والعمرانية والاجتماعية في وطننا الغالي. وركز المنتدى الأول للإدارة المحلية على ثلاثة محاور رئيسية وهي: المحور الأول: أطر القوانين المحلية والعلاقات بين الدوائر الحكومية المحلية. حيث تناول فيه المحاضر مفهوم اللامركزية بالإدارة المحلية وإطارها التشريعي وأدواتها التنظيمية، وتجربة المملكة العربية السعودية في مجال اللامركزية والانتخابات البلدية. المحور الثاني: اللامركزية في تمويل مؤسسات الإدارة المحلية. حيث تناول محاضرنا بالبحث الشق المالي المرتبط باللامركزية في الإدارة المحلية. المحور الثالث: تأثير التغييرات الاجتماعية على تطوير الإدارة المحلية. وتطرق فيه المحاضر إلى تأثير اللامركزية بالإدارة المحلية على الأنشطة الاجتماعية كالتعليم والصحة والزراعة وغيرها موضحاً إيجابيات وأهمية اللامركزية. لقد أثرى الحاضرون المختصون من أكاديميين ومهنيين المنتدى خلال اليومين 20 شوال إلى 21 شوال 1426ه من خلال التعارف والنقاش وتبادل الأفكار والمشاركة للوصول إلى الآراء والأفكار والتجارب التي تعزز وتطور مفهوم الإدارة المحلية وتطبيقاتها والوصول إلى توصيات ذات مردود جيد لانطلاقة المركز تحقيقاً لأهدافه ورؤيته ورسالته. ويتطلع المهتمون بالإدارة المحلية إلى اللقاء الثاني في شهر محرم 1427ه (فبراير 2006م) ليكون موضوعه القدرات المؤسسية، حيث يتناول فيه المجتمعون بإذن الله ثلاثة محاور وهي: الأول تأهيل نظام الخدمة المدنية. الثاني بناء القدرات المؤسسية على مستوى المركز والمحليات. الثالث الأهمية الإستراتيجية لتوفر نظام تقنية معلومات واتصالات شفاف وسهل الاستخدام. أما اللقاء الثالث شهر أبريل 2006م وسوف يكون موضوعه التمكين ومشاركة المواطنين، حيث يتمكن المجتمعون في استعراض محاور ثلاثة كذلك وهي: الأول المحاسبة ومشاركة المواطنين. الثاني التخطيط ووضع الميزانيات والمتابعة والتقييم التشاركي. الثالث إعادة تنشيط الاقتصاديات المحلية. ومن خلال تلك اللقاءات يكون لمركز الأمير سلمان للإدارة المحلية الريادة في إثراء التجربة السعودية بالدراسة والتطلعات والخطط المستقبلية. إن لقاء الأكاديميين والمهتمين والإداريين المحليين العاملين بالمناطق المختلفة ببلادنا وغيرهم تحت سقف واحد ليعتبر مكسباً علمياً وإستراتيجياً لنهضة بلادنا في مجال تنميته الاقتصادية والاجتماعية والعمرانية. ومن هنا تتضح نظرة صاحب السمو الأمير سلمان الثاقبة ورؤيته المستقبلية وحرصه الشديد من خلال تجربته للإدارة المحلية ومعاصرته لتغير الأنظمة المحلية ببلادنا في تبني إنشاء هذا المركز. والتحدي الذي يواجه مركز الأمير سلمان للإدارة المحلية هو رفع الوعي لدى المسؤولين والموطنين بالمناطق المختلفة بالمملكة. وإبراز أهمية اللامركزية الإدارية في مناطق المملكة ودورها في إنجاز أعمال وشؤون المواطنين. وخاصة ما تنشده بلادنا بانضمامها لمنظمة التجارة العالمية وعلى ضوء المنافسة الأممية من زيادة الاستثمار الأجنبي وتنويع الموارد الاقتصادية المختلفة ورفع كفاءة وفعالية الأجهزة والإدارات الحكومية والخاصة بالمناطق. فنتطلع جميعاً لمنجزات المركز المستقبلية لخدمة الوطن والمواطن عن طريق المؤتمرات والندوات والدراسات والمجلات العلمية المتخصصة بمجالات الإدارة المحلية والتدريب وورش العمل... وغيرها. وأن يشمل نشاط مركز الأمير سلمان للإدارة المحلية جميع مناطق بلادنا الحبيبة. ٭ جامعة الأمير سلطان