أعجبتني جداً حلقة في البرنامج الحواري الذي تقدمه اوبرا وينفري ويبث على mbc2 وكانت حول تعدد الادوار لدى الأم العاملة، شدما تشابهت حد التطابق مشاكل الأم العاملة هناك في الغرب مع مشاكل الأم العاملة هنا في الشرق، كأن المتحدثات هن فاطمة وحصة ومشاعل ولسن كريستينا واليزابيث وماري..! جميعهن يحملن ذات الهم، وذات الرغبات والأحلام، بل وذات الشعور بعقدة الذنب. جميعهن يحملن هم الاتقان في كل شيء، في المنزل وفي العمل ومع الاولاد ومع الازواج ومع المجتمع المحيط بهم، وجميعهن لديهن ذات الرغبة في وجود عصا سحرية تحل المشاكل وتمنحهن سويعات بهجة خاصة لايعكرها بكاء طفل أو إلحاح زوج او تعنت رئيس.. واخيرا جميعهن يحملن عقدة الذنب ازاء ابنائهن ولديهن شعور عام بانهن مقصرات في حق الصغار.. قالت إحداهن والعبرة تغلبها انها لم تشارك اولادها لحظاتهم الصغيرة من نجاح أو فشل ولا تعرف اسماء اصدقائهم الجدد.. وقالت أخرى انها تتسلل خفية من البيت حتى لايفاجئها احد ابنائها بطلب لاتقوى على تنفيذه.. واعترفت ابنة صارت أماً ان ذاكرتها لاتنسى إهمال امها لها حين كانت طفلة ومازالت تتألم حين تتذكر انها لم تجد وقتا كي تمشط لها شعرها.. واكثر ما فاجأني في الحلقة هو إجماع عدد كبير من الأمهات العاملات (الغربيات) على عدم رغبتهن في العمل وقلن ان الزمن لوعاد لما كررن نفس «الخطأ» ولتفرغن لابنائهن حتى لايفقدن لحظة تواصل معهم تضيع بسبب العمل. اما المفاجأة الثانية فكانت تلك المتعلقة بوصف بيئة العمل الغربية، قالت احداهن وهي مؤلفة لكتاب عن الأم العاملة بعنوان (كيف تفعل كل هذا؟!): بعد سنوات طويلة من المطالبة بالمساواة مازالت بيئة العمل ذكورية صرفة، ومازالت الأم تتوارى عن الانظار حين يأتيها هاتف من احد ابنائها، ومازالت لاتستطيع ان تعلن عن حاجتها لاجازة اضطرارية لتحضر حفل تخرج ابنتها، كأن الحديث عن امومتها شيء ينقص من قدرها، وقالت :عندنا في بيئة العمل قد يراعون مدمنة الكوكايين ويقدمون لها الدعم والمساندة ويلحقونها في برامج علاج لكنهم بالمقابل لايحترمون الأم ولايدعمون امومتها ويتعاملون معها كأنها نقيصة يجب ان تخفيها والا ظلت متهمة بانها مقصرة ولاتعطي العمل حقه. ومن المفارقات التي تحياها الأم العاملة هنا وهناك وفي كل مكان انها رغم كل الضغوط وتعدد الادوار الا انها تظل تحت ضغط نابع من نفسها وهو الشعور بالتقصير في حق الابناء ولم تشذ عن هذه القاعدة الا واحدة اعلنت في تلك الحلقة نهجها الذي خلصها من كل الضغوط، قالت ببساطة :لقد استسلمت!.. وجدت انني لن اكون مائة بالمائة أماً تقليدية لكني ام جيدة ولست مائة بالمائة في عملي لكني موظفة جيدة ولست مائة بالمائة مع زوجي وفي بيتي لكني زوجة جيدة.. ومنذ ان اقتنعت بان المهم هو ان يظل البنيان قائماً والحياة مستمرة وكففت عن البحث عن الكمال في كل شيء ارتحت وارتاح من حولى، لم يعد لدي ضغط من كل جهة فما ابذله هو ما أستطيع بذله بلا زيادة تضرّبي ولانقصان يضر بمن حولي.. وهي وجهة نظر سديدة برأيي، لكنها ليست سهلة التحقق وتحتاج إلى شخصية حازمة تعرف ماذا تريد، وكيف تفعل ماقررته، وهؤلاء قليلات جدا.. وإذا ابتعدنا قليلا عن عالم الغربيات وعدنا إلى عالم الشرقيات بكل خصوصيته والاعباء التي يرزح تحتها لوجدنا أن الأم العاملة لدينا بحاجة لما هو اكثر من قرار شخصي تتحكم به في حياتها، إنها بحاجة إلى تأهيل مجتمعي كامل، ينظر اليها نظرة مختلفة، يقدر عطاءها ويمنحها الفرصة لتنجز في كل دور من ادوارها بلا ضغوط، ولعلها دعوة للنظر في انظمة العمل المتعاملة مع الأمهات العاملات من حيث الاجازات وتوفر الحضانات وسهولة منح ساعات الأمومة.. فالأم تحمل مسؤولية الجيل القادم.. واذا نشأ جيل المستقبل تحت وطأة ضغوط الأم فلن يكون سوياً محرراً وقادراً على استمرارية البناء..