فاجأ تصريح الأمير محمد بن سلمان الأوساط الاقتصادية والمالية المحلية والعالمية بإنشاء صندوق سيادي قيمته تريليونا دولار خلال العشرين عاما القادمة، حيث إن الحديث السائد في ظل تراجع أسعار النفط وضعف التنوع الاقتصادي السعودي بأن الحكومة السعودية غير قادرة على الاستمرار في استكمال مشروعات التنمية الشاملة والمستدامة، مما سوف يقلص رفاهية المواطن السعودي ويعرض الاقتصاد الوطني لعدم الاستقرار. لكن هؤلاء لا يدركون مدى قدرة العقول صاحبة هذه الأفكار الجريئة وصانعة القرارات الابتكارية وذات الإرادة الصادقة والحزم على تنويع الاستثمارات الحكومية ومصادر دخلها غير النفطية وتنويع الاقتصاد، مما سيحقق أهداف الاستراتيجية العامه لمستقبل هذا الوطن. وبهذا يستمر التحول الاقتصادي بخطى تسابق الزمن باغتنام الفرص المتاحة وخلق فرص جديدة نحو مستقبل يخدم الأجيال الحاضرة والقادمة. إنها ثورة اقتصادية لم يشهدها الاقتصاد السعودي منذ 2015، ومرحلة انتقال من الاقتصاد النفطي الى الاقتصاد السوقي ومنشآته، انها بداية انطلاقة» اليد الخفية» التي ابتكرها عالم اقتصاد «ثروة الأمم» آدم سميث وبداية رفع كفاءة الإنفاق الحكومي، فليس الحكومة الكبيرة افضل أداء من الصغيرة، كما ذكر ذلك مارك بيري (الكبير، ليس الافضل،Big, Not Better) في (Centre for Policy Studies, 2008). إنها سياسة جانب العرض التي تعزز النمو الاقتصادي ومساهمة القطاع الخاص في إجمالي الإنتاج المحلي من خلال سياسات حكومية وإجراءات تشريعية نحو التوظيف الأمثل للموارد الاقتصادية والبشرية خلال ال 20 عاما القادمة، ليتمتع اقتصادنا بكيانات تريليونية مستقلة لا تتأثر باقتصاد النفط. إن تحليلاتنا لتطور الاقتصاد السعودي في ضوء المعطيات الجديدة وإنشاء صندوق سيادي عملاق يهدف الى تنويع الاستثمارات الحكومية وتنويع الاقتصاد بمشاركة فاعلة من القطاع الخاص المحلي والأجنبي، تشير الى تراجع النمو الاقتصادي الثابت الى 2.8% في 2016 مع تراجع اسعار النفط والإنفاق الحكومي. ولكننا نتوقع ارتفاع مسار النمو الاقتصادي في الفترة ما بين 2017م-2035م، ليكون السيناريوهان المحتملان: مسار الحد الادنى بنمو 4% سنويا ومسار الحد الأعلى بنمو 5% سنويا بالأسعار الثابتة، وعلى اساس ذلك سوف ينمو إجمالي الناتج المحلي الثابت (100=2010م) الى 1.02 تريليون دولار في 2026 و 1.02 تريليون دولار في 2024م على التوالي. أما الحصاد الاقتصادي في نهاية 2035م، سوف يجني ناتجا اجماليا قدره 1.46 تريليون دولار و 1.75 تريليون دولار على اساس السيناريوهين السابقين. وفي كلا السيناريوهين سوف يحقق الاقتصاد نموا جيدا ومطردا لمواجهة النمو السكاني السعودي الذي نتوقع ان ينمو بمعدل 23% في 2035م مقارنة بعام 2015م، ليصل عدد السكان السعوديين حينذاك الى 25.6 مليون فرد. وهذا يعني ان فئة العمر من 15 فأكثر سوف يزيد دخولها الى سوق العمل وخاصة فئة النساء ولكن سوق العمل سوف يكون قادرا على استيعابهم وبأجور جاذبة لهم، مما سيرفع من مستوى المعيشة والرفاهية الاقتصادية لجميع افراد المجتمع. هكذا سيكون تنويع الاستثمارات الحكومية ومصادر دخلها وتخصيص بعض اصولها ممولا رئيسيا للميزانية العامة، بينما سيكون تنويع استثمارات القطاع الخاص المحرك الاساسي لتنويع الاقتصاد غير النفطي، لتصبح مساهمة المنشآت الصغيرة والمتوسطة في اجمالي الناتج المحلي يفوق 49% بحلول 2035م، وبهذا يتجاوز إجمالي مساهمة القطاع غير النفطي 74% من اجمالي الناتج المحلي الثابت. ان مسار تنويع الاستثمارات المرتبط بتنويع الاقتصاد معرفيا وابتكاريا وباستخدام رأس المال الكثيف بدلا من استخدام الكثافة العماليه سوف يقود اقتصادنا الى الاقتصاد التريليوني المتنامي خلال العشرين عاما القادمة. وبهذا ستحتل المملكة مراكز اقتصادية متقدمة في العالم وفي مجموعة العشرين. وأخيرا، يمكننا تحقيق أهدافنا الاقتصادية الطموحة من خلال «الرؤية الاستشرافية الواقعية، اقتصاد المعرفة، رأس المال الجريء، والابتكارات».