في كل أسبوع، ومنذ سنوات، يطل علينا الإعلامي اللبناني زاهي وهبي في برنامجه الحواري الشهير (خليك بالبيت). ومع كل إطلالة له، يمسك بأيدينا ويقودنا، بثقة المتمكن من فنه، إلى السباحة في فلك ضيوفه الكبار، فمرة مع فنان قدير، وأخرى مع أديب أريب، وثالثة مع مفكر كبير يبغي بث أفكاره ورؤاه من خلال برنامج ذائع الصيت كهذا.. لكن «زاهياً» -وهو يقدم هؤلاء- لم يشأ إلا أن يتوج جولاته هذه برحلة نفيسة يستضيف فيها ضيفاً خاصاً ذا مكانة خاصة وصاحب مشروع خاص أيضاً.. إنه الأمير الشاعر صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل.. الذي كان ضيف البرنامج في حلقته الماضية.. وقد ظهر كما تعود المشاهد منه دائماً حيث الصراحة والشفافية والنظرة الثاقبة التي تتطلع بشوق إلى الأمام، إلى المستقبل، متجاوزة ظلام الماضي ورداءة الحاضر. اللقاء الذي تم في مدينة دبي، على ضفاف المؤتمر الرابع لمؤسسة الفكر العربي، كان متوهجاً بروح الانطلاق والتفاؤل التي بعثها الأمير خالد الفيصل من خلال تركيزه الشديد على مبدأ «الثقة» وأنه وحده الكفيل بتفجير طاقات الإنسان العربي الإبداعية، ذلك أننا متى ما منحنا الفرصة لهذا الإنسان فإنه حتماً سيبهر العالم.. نحن بحاجة إلى أن نثق بأنفسنا أولاً.. أن يثق العربي بأخيه العربي.. أن تثق الشعوب في بعضها البعض.. وأن تثق الحكومات بنظيراتها وأن تثق هي بشعوبها.. هكذا تحدث الفيصل عن «الثقة» التي يراها العامل الأساس في البناء، كما يرى في مدينة دبي، رمزاً لهذه الثقة، ومن هنا جاء اختيارها كحاضن للمؤتمر الرابع الذي نظمته مؤسسة الفكر العربي مشاركة مع نادي دبي للصحافة.. ويبدو أن اختيار مدينة كهذه جاء ليؤكد المسار الذي اتخذته المؤسسة لمشروعها، حيث الرغبة في مزج «المال» مع «الفكر» في علاقة تبادلية فاعلة، تضمن مدد «الفكر» وتدفق «المال»، وهذه علاقة ضرورية لكل مشروع نهضوي ناجح. وفي إجابة عن سؤال يقول أيهما في خدمة الآخر.. المال أم الفكر؟ يقول الفيصل: (في الوقت الحاضر المال يخدم الفكر.. لكن في المستقبل لابد للفكر أن يدعم المال.. لأن أي مال دون فكر سيزول.. والعكس صحيح).. إذن من خلال إجابة كهذه يظهر أننا أمام مشروع ملهم طموح، مدروس بعناية، يهدف إلى بعث جديد لروح الأمة المنهكة التي ظلت لأعوام طويلة أسيرة للاستعمار ونهبة للعسكر الذين عاثوا فيها تدميراً بانقلاباتهم التي لا تنتهي.. وخالد الفيصل يطالب بتجاوز الماضي تماماً والبدء من الآن بمرحلة البناء، فهو يقول: (يجب علينا تخطي الشعور باليأس.. أن نتجاوز الماضي ونصلح من حاضرنا لننهض بمستقبل جديد لهذه الأمة).. وبداية الإصلاح يحددها الفيصل بمعالجة أخطاء الإعلام العربي وبمنح مزيد من الحرية للصحافيين الذين استأثروا باهتمامه واهتمام مؤسسة الفكر العربي.. هذه الحرية ليست إلا ترجمة لمبدأ «الثقة»، وهي إكسير الحياة بالنسبة للإعلام التي بدونها سيصيبه الضعف والوهن.. والإعلام حين يكون حراً سيحتل مكانة الدواء الذي سيقود إلى شفاء المجتمع من علله وأدوائه.. أما عن مشاكل الإعلام العربي، فهو لا يعتبرها مختلفة عن مثيلاتها في الإعلام الغربي، من حيث عبثها بالحقيقة وزرع الفتن ومحاولة تشويه صورة الإنسان العربي.. وعند هذه النقطة تحديداً يتحول حديث الإنسان خالد الفيصل إلى الإعلام الغربي وضرورة الرد عليه بإعلام مسؤول يجلي الحقيقة ويظهر أن العربي ليس كما صوره إعلام الغرب لسنوات طويلة حيث الشخص الشهواني الإرهابي الذي يحتسي الخمور لاهياً مع الغواني، في انعكاس لقصة علي بابا والأربعين حرامي وحكايا ألف ليلة وليلة.. يقول خالد الفيصل: (أستغرب كيف لم ينتبه أحد حتى الآن إلى هذا التشويه.. لابد أن نكسر هذه الصورة النمطية.. وأن نجعل من الإنسان العربي عضواً فاعلاً ومؤثراً على العالم كله).. وهذه النقطة هي إحدى أهداف المؤتمر، وهي إحدى الغايات النبيلة التي ينوي تقديمها خالد الفيصل لأمته، كما يحدد أيضاً، من خلال البرنامج، غايات أخرى كبيرة، منها تهيئة ساحة فكرية من غير ضغوط على المفكر ليعبر من خلالها عن مشاكل الأمة العربية، كما يأمل أن يكون المؤتمر بمثابة وسيلة تمرين لنا نحن العرب على قبول كافة الآراء ومناقشتها بهدوء ملتزمين في ذلك بآداب الحوار.. وهو لم يشأ إلا أن يكون القدوة في ذلك، حيث رحب بالجميع ليشاركوه همّ هذا المشروع الضخم، حتى أولئك الذين يختلفون معه أشد الاختلاف.. إنها أفكار عظيمة ستؤسس أرضية ملائمة للبناء، وسترغم كثيراً من الشباب العربي على تنحية أفكارهم المثبطة، والنظر إلى المستقبل بعين الرضا والتفاؤل والثقة.. ويقول الفيصل موجهاً دعوته إلى هؤلاء الشباب: (أدعوكم إلى تفجير طاقاتكم الإبداعية.. بدلاً من تفجير أجسادكم.. وأدعوكم إلى التفكير.. بدلاً من التكفير).. ومع دعواته هذه، نلمس إخلاصاً من الشاعر الإنسان.. إخلاص جعله ينذر نفسه لهذا المشروع الإصلاحي، مضحياً في ذلك بالمجال الأثير إلى نفسه، الشعر، الذي يظهر أن ضخامة المسؤولية قد جعل «خاطر الشعر» يبتعد عن المرور بتفكير الفيصل المشغول دوماً بالأفكار الكبرى والأساسية..