انفرد نظام الإجراءات الجزائية الصادر في المملكة العربية السعودية بالمرسوم الملكي رقم م/39 وتاريخ 28/7 /1422 ه بتقرير كرامة المرأة، وحفظ حقوقها المادية والمعنوية ؛ حيث خصّ المرأة التي ترتكب جريمة بمعاملة راقية تليق بوضعها وتركيبتها النفسية والبيولوجية، وذلك لما يتسم به الوضع في المملكة العربية السعودية من خصوصية انفرد بها عن سائر دول العالم. وكنا قد تكلمنا عن بعض هذه الحقوق في المقال السابق ونكمل في هذا المقال بعضاً من الحقوق التي كفلها النظام الجنائي للمرأة في المملكة العربية السعودية، حيث وضع المشرع السعودي قواعد وضوابط للمحقق عند استجواب النساء، حيث يعد الاستجواب من أخطر إجراءات التحقيق ؛ لأنه قد يجر إلى الاعتراف غير المطابق للحقيقة أو على الأقل يصيب المتهمة بالاضطراب في دفاعها بما قد يسيء إليها. فمن الضوابط التي وضعها النظام للمحقق عند استجواب النساء : أن يتواجد مع المرأة المراد التحقيق معها محرم لا يفارقها خلال مدة التحقيق، وإذا تعذر وجود المحرم فيتم التحقيق معها بحضور لجنة تضم إلى جانب المحقق ؛ عضواً من المحكمة الشرعية، وعضواً من هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وذلك منعاً للخلوة المحرمة شرعاً، وحفظاً للتحقيق من أن يتغير مساره، وصيانة للمرأة من أن تضيع حقوقها، ولقد أكد المشرع السعودي على أهمية وجود المحرم عند استجواب النساء ؛ ذلك أن المحافظة على أحكام الشرع أهم من تحقيقٍ قد يسفر عن براءة أو إدانة. أما إذا كانت المرأة المراد التحقيق معها موجودة في إحدى الدور الإصلاحية أو مؤسسة رعاية الفتيات ، فيكتفى بحضور المسئول في هذه الدار أو المشرفة لمرافقة المحقق مدة التحقيق. كما منع النظام أن تستدعى المرأة من بيتها للتحقيق معها في الحالات التي تستوجب ذلك إلا بعد وجود المحرم أو اللجنة المذكورة آنفاً في حالة تعذر وجود المحرم، ويمنع إي إجراء يؤدي إلى تحقق الخلوة المحظورة شرعاً لأي سبب كان، وأن يكون ذلك قاعدة يسار عليها في جميع إجراءات التحقيق. كما أجاز النظام الكشف الطبي على عورات النساء إذا كانت الدعوى تنصب على طلب الأرش، فيقتضي الفصل فيها التحقق من وجود البكارة أو عدمها، فتقوم بالكشف الطبيبات من وزارة الصحة، كما حظر النظام الكشف على المرأة عند وجود تهمة إلا إذا رأى القاضي أن المصلحة الشرعية تقتضي ذلك. ولقد وضعت جهات التحقيق في المملكة العربية السعودية تعليمات وضوابط كثيرة لمن يتولى التحقيق مع النساء ؛ فتسند القضايا التي تتهم فيها إناث إلى محقق ممن يشهد لهم بالأخلاق الحميدة والسلوك الحسن، كما يجب أن تكون الأسئلة الموجهة للمرأة مباشرة وصريحة في موضوع القضية نفسها لا يتوسع فيه لأمور أخرى ما دامت في غير نطاق القضية موضوع التحقيق. ويراعى عند التحقيق مع المرأة المتهمة أن يحضر معها محرمها في جميع جلسات التحقيق، ويُمكّن من رؤية ما يدور في التحقيق، وإذا استدعى التحقيق السرية فيجب على سلطة التحقيق (هيئة التحقيق والادعاء العام) أن تجهز مكاناً للتحقيق يراعى فيه تمكين المحرم من مشاهدة ما يدور داخل غرفة التحقيق، وذلك بوضع حاجز زجاجي يجلس خلفه المحرم أو على مسافة بعيدة إذا كان التحقيق يجري في مكان واسع . أما في القضايا التي تتطلب استشماماً للمتهمة كقضايا السكر والمخدرات ؛ فيجب على سلطة التحقيق أن تطلب من مدير المستشفى أن يكلف طبيبتين أو ممرضتين لاستشمام المرأة المتهمة ويكون ذلك أيضاً بحضور محرم المرأة، وأن يثبت ذلك في التقرير الطبي. كما يجب أن يراعى في حالة خروج المرأة المتهمة من السجن إلى جهة التحقيق أن يرافقها محرمها في خروجها حتى ترجع، فإن لم يكن لها محرم فمع امرأة مأمونة قوية. وبهذا تميز نظام الإجراءات الجزائية في المملكة العربية السعودية بإنفراده بهذه الضوابط والتعليمات المنظمة للتعامل مع المرأة المذنبة المقيمة في أرض المملكة العربية السعودية أيّاً كانت جنسيتها ودينها، ذلك التعامل الذي يحفظ كرامتها، ويصون حقوقها، ويميّزها عن بنات جنسها في سائر بلاد العالم. ٭ باحث قانوني