كانت البرامج المنوعة تحمل قيمة ترفيهية وثقافية، وتقدم المتعة والفائدة في آن واحد، ذلك قبل أن تأتي وتسيطر برامج الواقع -بقضها وقضيضها- لتطغى وتسيطر على فكر القائمين على القنوات العربية؛ خصوصاً الخليجية التي أصبحت تتنافس فيما بينها على تقديم هذه النوعية من البرامج المخيبة والمبتذلة بذريعة استثمار نجومية الفنانين المعروفين واستغلال جماهيرهم. قناة دبي الفضائية التي كانت - ومازالت - محل ثقة المشاهد الخليجي بما تقدمه من رُقي في اختيار محتوى برامجها واهتمامها بما يليق بالجمهور، لم تكن موفقة على الإطلاق عندما قدمت برنامجاً خاصاً للمغنية أحلام بعنوان "الملكة" كل الهدف منه أن تعثر المغنية الإماراتية على صديق، حيث يتنافس المتسابقون من أجل الظفر بالجائزة الكبرى المتمثلة في الفوز بلقب "صديق" الملكة!. أحلام في هذا البرنامج أصرت على أن تدخل في منافسة مع ذاتها بشكل يضمن استمرارية وجودها الإعلامي من خلال برامج الواقع وذلك بعد نجاحات متوالية في برنامج "عرب آيدل" الذي يشاركها النجاح فيه مجموعة من النجوم والجمهور والمشاهدين في آن واحد. في "عرب آيدل" كان الجمهور يخرج مستمتعاً بما يسمع من أصوات طربية كما يستفيد من آراء وتعليقات لجنة التحكيم حول أصوات وآداءات المتسابقين، بينما في برنامج "ذا كوين/الملكة" لا شيء من ذلك إطلاقاً، لا فائدة ولا قيمة سوى استعراض ل"نرجسية" الأنا المتضخمة عندها. احتوت الحلقة الأولى والأخيرة من البرنامج على حوار مزعج بين المتسابقين الذين ينتمون إلى جمهورها الخاص، وسط ديكور مظلم يخص مملكتها الخاصة كما تدعيه!، ويبرز سلطتها وإدارتها للبرنامج بشكل يسفه ويحقر المتسابقين والمتلقي في آن واحد. برنامج "ذا كوين" الذي روجت له أحلام كثيراً مع جمهورها ومن ورائها قناة دبي الفضائية التي كانت تحظى بخصوصية مميزة عند المشاهد الخليجي باحترامها لعاداته ولتقاليده وعرضها لما يتناسب مع طبيعة وعادات الأسرة الخليجية. إن مشاهد "إذلال" المتسابقين التي ظهرت في أولى حلقات برنامج "ذا كوين" ترفض بثها أي قناة تحترم نفسها. وقد أعطت هذه الحلقة انطباعاً بأن البرنامج - قبل إيقافه - كان سيستمر على نفس المنوال بشكل وعِر وسيواصل في تسفيه العقول وتحقير المتسابقين. كان من الممكن أن تُساهم الفنانة أحلام بصوتها في رُقي المجتمع الخليجي وتقدم الأعمال الغنائية بالشكل الذي أحبها الناس من خلاله، كان من الممكن أن تعكس طبيعة الناس والمجتمع في حضورها الغنائي الذي بنت عليه شهرتها وتتجاهل الدخول في مثل هذه البرامج السخيفة، خاصة بعد نجاحها وانتشارها العربي الكبير في برنامج "عرب آيدل"؛ لكنها فضلت ضرب أساسات نجاحها الماضي ببرنامج سطحي لا يحمل أي قيمة ولا يقدم أي فائدة. في أزمنة ماضية كان الفنان المغني يقدر موهبته ولا يدخل في مجالات أخرى حتى تلك القريبة منه مثل التلحين أو الكتابة، وذلك كي لا تهتز صورته أمام الجمهور. اليوم نحن أمام منعطف خطر ساهم في تقديمه تلفزيون دبي الذي لا نزال نحترمه رغم هذه الهفوة التي صححها سريعاً بعد الحلقة الأولى وأعلن إيقاف بث البرنامج. هذا التلفزيون العزيز لم يكن في حاجة لبث برنامج إنتاج خاص تقدمه فنانة تريد تكريم جمهورها الخاص جداً!، أفراد تدعوهم الفنانة نفسها ب"الحلوميين!". بالتأكيد هذه ليست صفات تلفزيون دبي. إن ما نأمله، ليس من تلفزيون دبي فحسب، بل من جميع قنواتنا الخليجية، أن تضع في حساباتها أن "بثها" ليس ملكية خاصة نستطيع بيعه لأي فنان يريد تسويق "ذاته" ومداعبة "غرور" أناه المتضخمة، لابد أن تكون هناك معايير للبرامج وأن يكون من أهم هذه المعايير: الفائدة والرقي واحترام الجمهور. في الوقت الذي نقدر فيه تفاعل إدارة تلفزيون دبي مع رغبة الجمهور وإعلانها الإيقاف النهائي للبرنامج، ونأمل أيضاً ألا نرى مثل هذه البرامج التافهة في قنواتنا الرصينة.