التحذيرات المبالغ فيها هي الوجه الآخر للشائعات السلبية، حتى وإن اكتست بغطاء النصيحة الإنسانية الرامية إلى إبعاد الضرر عن المستثمرين والمتعاملين عبر حثهم على الابتعاد عن السوق بما يوحي ببيع أسهمهم. وقد حدث أن انساقت لها المجموعات في فترة مضت، وأتاح مثل ذلك الانسياق إلى بروز الفرصة لمروجيها للاستفادة من شراء الأسهم بأسعار منخفضة، لم تكن متاحة لو لم يصطنع انخفاضها. الآن، والأسهم وهي تقتنص بأسعار دنيا ويرتفع معها المؤشر العام للسوق المالية لليوم الرابع على التوالي، فإن ذلك يجب ألا ينسينا ما حدث من تلاعب بالمشاعر وتضليل المستثمرين، وإثارة فزعهم وتنمية مخاوفهم عبر الإشاعات، كما أنه ينبغي ألا يستمر مثل ذلك الحال، وأن يوضع مستقبلاً تحت الرقابة الصارمة. ففئة المتلاعبين بتحذيراتهم المستمرة من السوق المالية منذ وقت مبكر عبر وسائل الإعلام الاجتماعية، لم تكن لتتمادى لو وجدت الردع المناسب لها، فهي توسعت حتى انخرطت في المحظور، لتؤثر بالتالي على أسهم الشركات وعلى السوق بنشر المخاوف وتضخيمها. التلاعب في أسعار أسهم الشركات عن طريق نشر المعلومات الكاذبة والمضللة بما يؤثر على سعر سهمها بالارتفاع أو بالانخفاض هو سلوك موجود في كثير من أسواق المال، واعتاد المستثمرون عليه، وعلى محتوى تلك المعلومات الكاذبة والمضللة، لكن أن يستمر المتلاعبون في محاولات التأثير السلبي على السوق المالية السعودية بأكملها مستغلين هذه الظروف الاقتصادية العالمية، وهذه الفترة التي تضطرب فيها أسواق المال في العالم بما صاحبها من انخفاض شديد لأسعار النفط، هو ما يثير الاستغراب. ومصدر تلك الدهشة أن نشر الشائعات المغلفة بشكل التحذيرات على الانترنت وعبر وسائل الإعلام الاجتماعية المتعددة وتطبيقات التراسل الفوري حول تدني الأسعار قد طال أمده، ولم يكن مستنداً على مؤشرات مالية مقنعة، وإنما على طلاسم ومؤشرات فنية غير مقنعة، ولا تتناسب مع معطيات الأسواق المالية في الظروف الصعبة، ومثل ذلك بكل تأكيد انعكس بتأثيره على كثير من المستثمرين والمتعاملين على حد سواء، وخفض معه مستويات الأسعار والمؤشرات الرئيسية والقطاعية، كما خفض معه أيضاً من المعنويات ومستوى الثقة بالسوق المالية، ووضعها على تقلبات حادة، كانت كثيراً ما تميل فيها إلى التوجهات البيعية. في يوم الأحد الماضي كتبت مقالاً في هذه الصحيفة المؤثرة عن التحذيرات المنفلتة كونها باباً فسيحاً لتآكل الأموال وضياعها لمن استجاب لها، وذكرت أن تلك التحذيرات تظهر على حقيقتها بمجرد أن يرتد النفط وتتعافى أسعاره، فيجد كل من يتعامل في السوق المالية أن تلك التحذيرات بدأت في التلاشي شيئاً فشيئاً، ليلجأ بالتالي المحذرون من السوق إلى الدخول فيه بالشراء، وأيضاً التسابق لاعتلاء صدارة المتخلين عن تحذيراتهم، والقفز إلى قائمة أوائل المشترين بأفضل الأسعار، متناسين تمسكهم بشعارات الابتعاد عن السوق في الوقت الحالي، وهذا ما يلاحظ حالياً. والسؤال الآن، هل هؤلاء المحذرون يصنفون على أنهم ارتكبوا حماقات بمجرد تخليهم عن تحذيراتهم؟ والإجابة.. نعم.. وبكل تأكيد، فالتحذيرات أضرت بمن انساق إليها وتبعها.