من أراد أن يحقق الشهرة في هذا الزمن فلن يجد صعوبة في تحقيق هذا الهدف. لا يحتاج أن يفكر ويدرس ويبحث في مجال معين ليصل الى منجز يخدم البشرية. ليس مطلوبا منه أن يعمل ويثابر ويتحمل المشاق حتى يصل الى نتائج تحقق له الشهرة. الطرق أمامه مفتوحة، والقيادة تحت سيطرته، والسائرون خلفه كثيرون. يستطيع أن يسلك طريق التهريج، أو يقول ما لا يقال، أو يطرق – دون علم- باب الفتوى الدينية، أو الارشادات النفسية، أو استخدام لغة السب والشتم، أو نشر وتوزيع التهم والاشاعات. يستطيع أن يخرج عن النص ويسيء للثوابت، أو يسيء للآخرين ثم يعتذر ويتحول الى بطل. يستطيع أن يشتهر من خلال التطرف الفكري، أو العنصرية، أو الاسراف في الكرم والمظاهر. الغريب في موضوع الشهرة وجود بعض المشاهير الذين ينتابهم القلق من فقدان شهرتهم وتراجع جماهيريتهم فيعملون على شحن طاقتهم من خلال مجاراة الآخرين فيعمدون الى دخول ميدان السباق راكبين وسائل الاتصال الحديثة في خطوة تصنف بأنها جريئة كون صاحبها يخرج عن المألوف ويكسر القيود التي يحيط بها نفسه، ويدخل في عالم الجدل العقيم، ويطلق الآراء الغريبة حتى لا يكون ترتيبه الأخير في ميدان السباق. يستخدم وسائل الاتصال السريعة التي تصل الى الملايين ويضطر الى الاختصار فيقع في فخ الاختصار المخل، حيث يقع في الخطأ ثم يكمل المسلسل بالاعتذار! هنا يبرز سؤال، هل يتعمد البعض أن يصدم المجتمع بخطأ كبير أو رأي غريب، وهو في قرارة نفسه مقرر مسبقا أن يتراجع ويتهم الآخرين بعدم الفهم ويكون بذلك حصل على الشهرة المطلوبة؟ السؤال الآخر، هل صاحب الخطأ على ثقة أنه سيجد من يدافع عنه مهما كانت فداحة الخطأ؟ كانت الأعمال تسبق الأقوال. اليوم تسود الأقوال وتستحوذ على معظم الوقت. من يعمل بصمت وينجز يأخذ استراحة ليتحدث مع زملائه، أو أسرته، أو أصدقائه. من يمارس الكلام طوال الوقت هو في استراحة دائمة، ليس لديه وقت يضيعه في العمل. في جميع المجالات يمكن القول إن معظم الذين حققوا إنجازات علمية لم يكن هدفهم الشهرة. وفي هذا الزمن أصبح المؤهل للشهرة أن تكون بلا إنجازات، وأن يكون الجهد الذي تبذله هو ضغطة زر. وفي عالم الشهرة، يهرب مستحق الشهرة من ملاحقة المعجبين والمتابعين، ويلاحق من لا يستحق الشهرة معجبيه ومتابعيه. يحصل الأول على المتابعة بالعمل، ويحصل عليها الثاني بالجدل. الأول أقرب الى التواضع خاصة إذا كان من أهل العلم والثقافة، والثاني أقرب الى الغرور. الأول يعمل بصمت والثاني يحدث ضجة. الأول يقدر جهود من تعاون معه وينسب الفضل لأهله، والثاني لا يتسم بهذه الصفة. الأول يثق بنفسه، والثاني يثق بمتابعيه. الأول يحقق الشهرة بجهوده وانجازاته، والثاني يحققها بضغطة زر! [email protected]